Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

العراقة الغائبة في قلب الطائف

A A
أنا ابنُ الطائف، وأفتخر أنّي وُلِدٌتُ فيه، وترعْرَعْتُ وشبَبْتُ فيه، ولم أتركة إلّا للدراسة في المنطقة الشرقية، ثمّ العمل في جدّة إلى الآن، وأعرف وسط البلد في الطائف شِبْراً شِبْراً، وذراعاً ذراعاً، وبكلّ مقاييس الأطوال المعروفة في الدنيا.

أعرف في سط البلد، برحة ابن العبّاس ومسجدها الذي بناه أوّل من بناه ابن عمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، الصحابي الجليل وحَبْر هذه الأمّة، عبدالله ابن العبّاس رضي الله عنهما، ومسجد الهادي العتيق، وباب الريع، الذي كانت تقع فيه مكتبة الثقافة وهي مركز حضاري لمثقّفي الطائف يؤوبون إليها كلّما شعروا بجوع ونهم للمعرفة، وسوق السمك المركزي، وخان القاضي التجاري، وتوأمه خان المفتي، ومطعم الزائدي للمطبّق البلدي، ومحلّات بيع ورود وعطور الطائف، والجبنة والقشطة واللبن والسمنة، والدرّاجات الهوائية، واللبنية ودجاج البرّ واللقيمات، والفُول والمعصوب، والزيوت المُستعصرة، والمكسّرات والشابورة الطائفية الحلوة، وغير ذلك من مظاهر النشاط التجاري العريق.

وحتّى تاريخه لم يتغيّر شيء في وسط البلد بالطائف، وهو كما كان منذ حياتي في الطائف، حتّى إنّ معظم المحلّات التجارية احتفظت بأسمائها القديمة، إلّا شيء واحد أساءني ولم يسرّني، وهو غياب المواطنين عن العمل في المحلّات العريقة، عكس ما كانت عليه منذ طفولتي، إذ كان يتواجد فيها مؤسّسوها السعوديون من أعرق عائلات الطائف وأشهرها، وأمّا الآن فلا تجد فيها إلّا وافدون، ولا أعلم وضعهم القانوني، هل هو استثمار باستغلال نفس الاسم أم تستّر ممنوع أو غيره، لكنّ المُحصِّلة في كلّ الأحوال هي عراقة ولا عراقة في نفس الوقت، عراقة حاضرة مظهراً وغائبة جوهراً، وأصبح المثل الذي كان يُقال في الطائف وهو (صنعة أبوك لا يغلبوك) غير موجود، فالوافدون هم الغالبون تحت يافطات قديمة قد حفرها في صفحات التاريخ مواطنون. ولو كُنْتُ مسؤولاً لجعلْتُ همّي هو استعادة عراقة وسط البلد التي سُلِبت، ولوطّنْتُهُ قلباً وقالباً، فهو قلب الطائف، وروحه الأصيلة، وفؤاده العابق بالتاريخ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store