Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مفاهيم غير مفهومة!

مفاهيم غير مفهومة!

A A
ما بين الماضي والحاضر تعرضت كثير من تصرفاتنا العفوية وكلماتنا الهزلية إلى تُهم تستوجب إدراجها في إطار قانوني تضع مرتكبها في خانة المساءلة.

إن تقويم السلوك الخاطيء هو شيء جيد بلا شك ولكن أنا أتحدث هنا عن بُعد آخر أحدثته التوعية العالمية الموجهة بشكل عشوائي وأصاب تحديداً الجيل الحديث حتى أصبحوا يدرجون أي كلمة يقولها آباؤهم أو الكبار من حولهم تحت بند إما تحرش أو عنصرية أو قذف أو تنمر وغيرها من المسميات التي كثرت علينا وأصبحنا لا نحفظها حتى كدنا نخشى الحديث في العلن خوفاً من أن تتصل بعض كلماتنا بإحدى هذه التهم عن غير قصد.

إن العفوية مرتبطة بشكل مباشر بالبشر الذي من سماته الخطأ ولكن الخطأ اليوم أصبح خطيئة ولذلك زادت القيود حتى الحديث من خلال أجهزتنا الذكية قد يندرج أحيانًا ضمن الجرائم الإلكترونية.

وبالرغم من قناعتي الشخصية بأن تقويم السلوك هو أمر جيد إلاّ أنني مقتنع أيضاً أن طريقة التوعية الغربية غير المنهجية أثرت على أجيالنا الجديدة بطريقة سلبية حتى أصبحوا قاسيين بشدة على مجتمعهم وعلى أنفسهم ويطلقون أحكاماً مجحفة مصدرها الإعلام الغربي وقوانينهم المخادعة التي قد تناسب الروبوت ولا تناسب الإنسان.

ولذلك أتوجه إلى من هم في جيلي أن يجلسوا مع بناتهم وأبنائهم ويشرحوا لهم أننا عندما نميز شخصًا بعرقه أو لون بشرته نحن لا ننتقص منه ولا نقصد الإهانة إنما نحن نشير إليه بشيء يميزه فهذه ليست عنصرية، أو على الأقل نحن لا نقصد بها الإهانة ولذلك لا يحق لهم أن يطلقوا الأحكام جزافاً. وعندما نتحدث عن شخص بكلمات رقيقة أو بمدح مبطن أو حتى صريح عن شكله أو لباسه فهو لا يندرج حتماً تحت بند التحرش فقد يكون تعبيراً لطيفاً نقصد به المجاملة. طبيعتنا العربية والشرقية فيها الكثير من المفردات التي نستخدمها بشكل عفوي جعلت منّا مجتمعاً مترابطاً على مر العصور كانت نتيجتها ما يحصل اليوم هو أن كل واحد منّا قد يكون لديه عشرات الأصدقاء كلٌ منهم لديه تسمية خاصة غير اسمه الحقيقي ونتبادلها بكل حب. أما المجتمعات الأخرى هي مجتمعات مفككة وضعت الكثير من القوانين غير المفهومة فاختلطت المفاهيم عليهم حتى أصبحوا منعزلين بطبيعتهم ولو أن أحدهم ابتسم في وجه جارته أو القى التحية قد تتهمه بالتحرش ولو أن عميلة طلبت خدمة من موظف في مصرف أو شركة عامة بشكل صارم قد يتهمها بالازدراء وأنها أثرت سلباً على نفسيته.

نحن لا نشبههم وهم لا يشبهوننا والعولمة لن تقتل البساطة في عاداتنا وفي كلامنا ومفاهيمهم غير المفهومة لا نريد أن نفهمها ولا نحتاج أن يعلموننا كيف يجب أن نبدو. نحن كما نحن نحب بعضنا وكل من حولنا باختلاف أصولنا وتصرفاتنا وألواننا، نحترم بعضنا لأن ديننا علّمنا أنه لا فرق بيننا فلذلك دعونا لا نفترق ولنلتمس الأعذار ونحترم بعضنا بطبيعتنا البشرية البسيطة التي قد تخطيء ولكنها لا تتعمد الإساءة.

مقالتي هذه أرجو أن لا يُساء فهمها فأنا لا أبرر أيًّا من الألفاظ أو التعبيرات المبتذلة أو الإهانة المقصودة فهناك شعرة رفيعة ما بين كل شيء ونقيضه، تفصل بينهم النوايا، وأنا هنا لا أتحدث عن العامة ولا أتحدث عن العلاقات بين الغرباء التي يجب أن تكون ضمن إطار مهني أخلاقي عالي، بل أتحدث عن المجتمعات الصغيرة التي يربطها رباط الأخوة أو العائلة أو الصداقة ولذلك نحن نعرف نوايا من هم حولنا لأننا عاشرناهم ونعلم ما يدور في دواخلهم ولذلك فهذه المجتمعات الصغيرة مجتمعة كوّنت لنا هذا المجتمع الكبير الذي نعيش فيه وبأيدينا نستطيع أن نجعله مجتمعاً مسالماً أو مجتمعاً مفككاً متحفزاً للقضاء على الروابط الإنسانية الجميلة.

ليس من التطور والحداثة أن نتعلم مصطلحات لنستخدمها دون أن نعنيها، مجتمعاتنا الإسلامية والعربية أثبتت أننا صادقون في تعاملاتنا ضد العنصرية والتنمر والطائفية وغيرها دون أن نرفع أي شعارات ومجتمعاتهم أثبتت أن لديهم شعارات كالأقنعة تتساقط وتنكشف عند كل موقف على أرض الواقع.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store