بعد نشر المقال السابق “فجوة التعليم.. بين الجودة والتقييم" قام الأصدقاء والخبراء في قطاع التعليم بالتواصل معي لإبلاغي بوجود المركز الوطني للتقويم والتميز المدرسي. يعود تأسيس هذا المركز إلى قرار مجلس الوزراء رقم (120) الصادر في عام 2013. وعقب ذلك، جاء الأمر الملكي الكريم برقم (أ/133) وتاريخ 30/ 7/ 1437هـ، الذي نص على دمج هيئة تقويم التعليم العام مع مجموعة من الجهات في هيئة تقويم التعليم. تُعتبر هذه الهيئة مستقلة إدارياً ومالياً، وهي مسؤولة عن تنفيذ أنشطة التقويم والاعتماد لكافة أنواع التعليم والتدريب في المملكة. وتخضع لإشراف رئيس مجلس الوزراء. وبتاريخ 14/2/1440هـ، أصدر مجلس الوزراء قراره رقم (108)، وبتاريخ 14/11/1440هـ، المتضمن الموافقة على تنظيم هيئة تقويم التعليم والتدريب. وبموجب صلاحيات مجلس إدارتها، تم إنشاء المركز الوطني للتقويم والتميز المدرسي "تميز" بهدف تقويم قطاع التعليم العام وتعزيز مستوى الجودة والتميز في التعليم. وعلى الرغم من أهمية دور هذا المركز في تطوير نوعية التعليم، إلا أنه يبدو أن التنفيذ والتطبيق لم يصل بعد إلى ما هو مرجو ومتوقع منه من قبل العديد من المختصين في مجال التعليم. حيث تظهر الإحصائيات أن هناك تفاوتًا كبيرًا في النسب الموزونة للخريجين الذين يحصلون على معدلات عالية في الثانوية، وهو ما يشير إلى تباين واضح في تطبيق المعايير والقواعد التي يتم تقييم الخريجين من خلالها. وعلى الرغم من تفوق بعضهم وتحقيقهم معدلات تفوق 96%، إلاّ أن هذه النسب تتدنى بشكل ملحوظ يصل الى أقل من 80% عندما يتم تطبيق النسب الموزونة بعد ضم درجة الاختبار التحصيلي واختبار القدرات. ومن خلال الحديث مع الآباء والأمهات بوصف آلية المذاكرة في الكثير من المدارس يعرف السبب، حيث يتم تحديد المعلومات الأساسية التي يجب على الطلاب حفظها وفهمها. وعندما يأتي وقت الاختبارات، تكون هذه الاختبارات سهلة ومباشرة، مما يعكس مستوى التحصيل الضعيف للطلاب. وقد أعرب عدد من الآباء والأمهات عن قلقهم، حيث يرون أنه لا يحفز الطلاب على التفكير النقدي والإبداعي، ولا يزودهم بالمهارات الضرورية لمواجهة التحديات المستقبلية. بدلاً من ذلك، يجبر هذا النظام الطلاب على التركيز على الحصول على درجات عالية دون أن يتم تحقيق فائدة تعليمية حقيقية. في هذا الإطار، يبرز دور المركز الوطني للتقويم والتميز المدرسي "تميز" كهيئة مسؤولة عن تقويم جميع جوانب التعليم في المملكة. وممارسة الجودة بأكملها على المناهج والمعلمين والطلاب وتقييم أدائهم بكل حزم. ومع استمرار تطور المشهد التعليمي، يبحث الآباء والأمهات عن الحلول المثلى لتأمين مستقبل أبنائهم في ميدان التعليم الجامعي. مع تنامى تحديات القبول في الجامعات بشكل ملحوظ ومع زيادة عدد الخريجين من المدارس الثانوية، وبات اختيار الاباء بين التعليم العام العالمي المتميز والتعليم الحكومي الأكثر تكلفة أمراً صعباً.
الأهالي يضعون توجهاتهم وأمانيهم في تحقيق مستقبل أفضل لأبنائهم، حيث يلجؤون إلى المدارس الأهلية أو العالمية بتضحيات مالية كبيرة. تبلغ كلفة تعليم الطفل في هذه المدارس حوالي 180 ألف ريال خلال سنوات الدراسة في التعليم العام. وهذا يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الأسر. بالمقابل، تواجه الأسرة التحدي الإضافي لمواكبة التوجهات التعليمية الجديدة التي قد تتضمن توجيه الأبناء نحو الكليات التطبيقية أو القبول في تخصصات غير مرغوبة، او حتى عدم الحصول على قبول جامعي في الجامعات الحكومية.
ومن منظور وزارة التعليم، تظهر التحديات في التعليم الجامعي، حيث يكتظ السوق بالخريجين العاطلين من تخصصات نظرية غير مرغوبه، وبعد صدور قرارات مجلس شؤون الجامعات بتقنين القبول في هذه التخصصات وإعادة هيكلة كليات الجامعة اتجهت الجامعات إلى تقنين القبول في التخصصات النظرية لتواكب احتياجات سوق العمل. فيجد البعض نفسهم في مأزق اختيار التخصصات النوعية مثل الطب والهندسة وعلوم الحاسبات وغيرها لكن هذه التخصصات لا تستوعب الأعداد الهائلة من الخريجين في ظل غياب التخصصات النظرية وبنسب قبول أقل من النسب الحالية رغم صدور التوجيهات في مضاعفة القبول للتخصصات النوعية. على الجانب الآخر، تعمل وزارة التعليم ووزارة الموارد البشرية وعدة وزارات اخرى على توجيه التعليم نحو تلبية احتياجات سوق العمل، مما يشجع على تقديم تخصصات تطبيقية تجهّز الطلاب بمهارات عملية. وعلى الرغم من تلك الجهود، تبقى مسألة مواجهة توقعات الأهالي والطلاب والطالبات تحديًا حقيقيًا. مع زيادة التكاليف التي يتحملها الأهل لتأمين تعليم أبنائهم، يبحث البعض عن حلاً توازنياً يربط بين جودة التعليم واحتياجات الطلاب. في ظل التحديات التي تواجه الخريجين من المرحلة الثانوية في اتخاذ قراراتهم التعليمية المستقبلية، يتعين عليهم مراعاة عوامل عديدة قبل اختيار تخصصهم الجامعي. فهم يحتاجون إلى تحديد اهتماماتهم وقدراتهم وهدفهم، وفي نفس الوقت مراعاة متطلبات سوق العمل وأهداف الرؤية الوطنية. إن اختيار التخصص الجامعي ليس قرارًا سهلاً، بل هو قرار يؤثر على مسار حياتهم المهنية والشخصية. ولكن ما هي الخيارات المتاحة أمام الخريجين؟ وكيف يستطيعون تحقيق طموحاتهم؟ بعد الحديث مع منسوبي التعليم العام والجامعي، تبين أن هناك خمس خيارات رئيسية للخريجين، وهي:
* البرامج الموجهة للطلاب المتفوقين والموهوبين: هذا الخيار يناسب الطلاب الذين يتمتعون بقدرات استثنائية في مجالات معينة، والذين يسعون إلى تحقيق التفوق الأكاديمي والابتكار. فهذه البرامج تقدم لهم فرصًا للالتحاق ببرامج مؤسسة مسك الخيرية أو برامج الموهوبين أو برامج شركات كبرى مثل أرامكو وسابك، التي توفر لهم بعثات دراسية في أفضل الجامعات العالمية. وبذلك، يستطيعون تطوير مهاراتهم وإثراء معارفهم في مجالات تخصصهم.
* الكليات العسكرية: هذا الخيار يناسب الطلاب الذين يرغبون في خدمة وطنهم في المجالات الأمنية والدفاعية، والذين يتحلى بالشجاعة والانضباط. فهذه الكليات تقبل الطلاب بعد اجتياز اختبارات صعبة وشروط صارمة، وتزودهم بالتدريب والتأهيل اللازم لذلك. وبذلك، يستطيعون المساهمة في حفظ أمن وسلامة بلادهم.
* الجامعات السعودية: هذا الخيار هو الأكثر شيوعًا بين الخريجين، ويرى بعض المستشارين التربويين أن تغير نظام التعليم في المراحل المختلفة يزيد من فرصة قبولهم في هذه الجامعات. فهم ينصحون بالانضمام إلى المدارس العالمية في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، لاتقان اللغة الإنجليزية وتنمية التفكير الإبداعي، ثم الانتقال إلى المدارس الحكومية في المرحلة الثانوية، للتحضير للاختبارات القياسية والتحصيلية.
* الكليات والجامعات الأهلية المحلية: هذا الخيار يناسب الطلاب الذين لم يحالفهم الحظ في القبول في الجامعات الحكومية، هذه الكليات والجامعات تقدم مستوى تعليمي ممتاز، وتوفر فرص بعثة جزئية للطلاب المتفوقين، أو فرص دراسة بدون بعثة لباقي الطلاب. وهذا الخيار يتطلب من الطلاب والأهالي دفع رسوم دراسية مرتفعة نسبيًا. وبذلك، يستطيعون تحقيق حلمهم في متابعة دراستهم في التخصص المطلوب.
* الكليات التطبيقية: هذا الخيار يستهدف الطلاب الذين يرغبون في التوازن بين التعليم والعمل، والذين يفضلون التدريب العملي على التعلم النظري. هذه الكليات تقدم نهجًا تعليميًا يركز على تطوير المهارات المهنية للطلاب، وتمكينهم من دخول سوق العمل بثقة. وتشمل هذه الكليات كليات التقنية والمهنية والتطبيقية في بعض الجامعات. وهذا خيار ممتاز اذا ما طبق بالأنظمة العالمية والتي تعطي الطالب الفرصة في اكمال الدراسة الجامعية من خلال نظام التجسير بين برامج الدبلومات المهنية والكليات العلمية في الجامعات.
ان اختيار التخصص الجامعي هو قرار شخصي يحترمه كل من يهتم بالشباب وبمستقبلهم. فلا يجب أن يكون هذا القرار محدودًا بضغوط الأهل أو المجتمع أو سوق العمل، بل يجب أن يكون مبنيًا على رغبة الطالب وإمكاناته وطموحاته. كما يجب أن يكون هذا القرار مستنيرًا بالمعلومات والإرشادات المتوفرة من مصادر موثوقة، مثل المستشارين التربويين والأساتذة والخبراء في المجالات المختلفة ومدعومًا باستراتيجيات وتوجهات المملكة. بعد ذلك، يستطيع الطالب اتخاذ قرار مدروس وحكيم، يضمن له تحقيق طموحاته المهنية والشخصية، والانخراط في مسيرة تعليمية مدروسة.
"توقعات الأهالي واختيارات الطلاب: القرارات التعليمية تحت المجهر"
تاريخ النشر: 23 أغسطس 2023 22:04 KSA

A A