للصداقة عدة أوجه وامتداد يصل إلى اتحاد الأرواح، حتى قيل: إذا كنت تريد أن تعرف سمات الشخص انظر إلى من يجالس، وهذا دليل واضح على أهمية اختيار الأصدقاء والجلساء؛ قال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله...".
هناك علاقات تتجاوز مفهوم الصداقة لتصل لمرتبة الأخوة؛ مما ينعكس إيجاباً على الطرفين وعلى البيئة المحيطة بهم، وأصحاب الصداقات النقية أقل عرضة للأمراض النفسية، التي تؤثر سلباً في محيط الإنسان وعلاقاته، فمن المهم أن ننبه إلى أن الغاية من وجود الأصدقاء المتميزين في حياتنا هي تكوين بيئة معيشة صحية.
فالعلاقات التي تنشأ بين المجتمعات على تباينها -فردية أو جماعية- فطرية، ودليل واضح على تماسك هذا المجتمع، يقول ابن خلدون "إن الأصل في صناعة التاريخ التجمع البشري"، وهذا التجمع وإن كان في ظاهره منافع عدة، إلا أن في باطنه صورًا لصداقات ومواثيق لا تتهشم. ونادراً ما تجد صديقًا يفهمك من داخلك، يشعر بما يسعدك ويحزنك، إذا وجدت هذا الشخص لا تتركه، وحافظ عليه في وقت قل فيه الوفاء، وكثر فيه من يبحث عن مصلحته وكيف يحقق أهدافه فقط؛ مما أدى إلى تصدع العلاقات الاجتماعية والعاطفية وضعفها؛ إذ أصبحت معايير اختيار الصديق هي المنافع، وعادة ما يقال: "لا بد أن تصاحب الصداقة منفعة أيًا كان نوعها"؛ لكني لا أتفق مع هذه المقولة؛ فهناك صداقات سامية ليس في مضامينها سوى الود والمحبة.
"مشاعل" رمز الصدق والوفاء، تنور طريق كل من يصادقها، شخصيتها قوية متفائلة تحب الحياة، وتجلب السعادة في أي مكان تقصده، وتضيئه بابتسامتها الجذابة، جمعتنا علاقة سامية دامت قرابة ١٦ عاماً من ٢٠٠٢م - ٢٠١٨م، تقاسمنا خلال تلك السنوات الأوقات الصعبة والسعيدة، وكان نصيب الأوقات السعيدة الأعلى، كنّا لا نمل من مجالسة بعضنا البعض، لها ابتسامة تستقبلني بها لا شبيه لها، فرحة قلبها الأبيض بلقائي تصل إلى قلبي بذات اللحظة، أي نجاح في حياتي تعتبره نجاحًا لها، عندما أتقلد منصبًا أو يصدر لي إنتاج علمي فكلمتها التي ترددها "يا مشرفني".
كبرنا وكثرت انشغالاتنا، ذهبت إلى الرياض وذهبت إلى نجران، افترقنا لظروف العمل، واتفقنا في عمر الأربعين أن نعود إلى مكة، وتعود أيامنا التي كنّا نضحك فيها بدون توقف ومغامراتنا، ونعيد ذات الحديث مرات بذات الاهتمام والتركيز وكأن أول مرة نسمعه، أين تجد صديقًا بمنزلة الأخوة؟ غادرت الدنيا إلى دار الحق قبل الأربعين وأصبحت قصة جميلة، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته.
وفي السياق ذاته، عملت مشاعل في العديد من المجالات الاجتماعية، وأدت عملها بكل صدق وأمانة، كانت تحرص دائماً على جبر خواطر من حولها، وتحاول قدر المستطاع أن لا تزعج من حولها، لها الكثير من وجوه الخير لم نعرفها إلا بعد وفاتها، بارة بوالديها، محبة وحنونة بإخوتها وإن كانت الوسطى بينهم، إلا أنها عماد البيت، تراعي الكبير وتسانده، وتشجع الصغير وتؤازره وتقدم له النصح، أبناء أخوتها بمكانة أبنائها؛ تصادقهم وتعاونهم وتستمع إليهم جيداً.
تجبر خاطر البعيد قبل القريب، لسانها لا يتحدث إلا بكل جميل ومفيد، تقتدي بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الطيبة صدقة".
وفي مجمل القول: اللحظات الجميلة لا تتكرر والعلاقات النقية أيضاً، ابحثوا عن الجيد والمتميز وتمسكوا به، هذا جزء مختصر من قصتي مع مشاعل بنت ناصر العبدلي الشريف، وهذا رثائي الذي لم أستطع كتابته منذ ٥ أعوام.
وما زلت أبحث عن تلك الابتسامة.