كان يُطلق على السيدة تاتشر رئيسة وزراء الحكومة البريطانية بأنها السيدة الحديدية، وبغيابها عن الساحة ظهرت سيدة أخرى في ألمانيا مكثت مستشارة لبلدها 16 عاماً، إنها السيدة أنجيلا ميركل، وهي لا تقل قوة وصلابة عن السيدة تاتشر، ويصفها البعض بالسيدة الحكيمة، مما استدعى المسؤولين في جامعة هارفارد لدعوتها في الاحتفال السنوي لخريجي جامعة هارفارد؛ ضمن حضور الطلاب وأولياء الأمور وأساتذة الجامعة، والرموز الفكرية والعلمية.
وتحدثت المستشارة ميركل، مبتدئة باستعراض تاريخي لألمانيا، وأن موجة التغيير في العالم قادمة لا محالة، وأشارت إلى الانقسامات والحرب والدمار الذي عاشه العالم منقسماً بين الشرق والغرب، قائلة: "إن ما ترونه اليوم من تقدم في أوروبا ورفاهية كانت قد شهدت قبله قروناً طويلة من التخلف والصراعات السياسية، والاستبداد الديني والسياسي، وكل ذلك انتهى بفضل ما أسمته القيمتين: الديمقراطية والسلام، فبهما استطعنا أن نبني أوروبا، ونحقق لشعوبنا الحرية والرخاء والكرامة.
وأشارت السيدة ميركل بقوة إلى الاتحاد الأوروبي، وكيف كانت كل دولة تعمل على انفراد، وكيف أصبحنا نعمل معاً، رغم بعض الملاحظات التي استجدت، إلّا أن وجود الاتحاد خير لكل شعوب أوروبا.
وصفّق لها الحضور بقوة، عندما أرادت أن نستوعب الدروس، ومؤداها بأننا يجب أن نعيش في هذا العالم بعقلية تعددية، ونترك التفكير الأحادي الضيق، وأن يحترم كل منّا الآخر، يحترم دينه وتاريخه وهويته وثقافته، ليزداد فهمنا لبعضنا لكي نعيش بعقلية تعددية تحترم في نفس الوقت الخصوصية، كي يصبح عالمنا أفضل.
وتحدثت السيدة ميركل عن رأيها في التكنولوجيا، حيث أصبحت الروبوتات والهواتف الذكية والذكاء الاصطناعي عنواناً لهذا القرن.
وتساءلت: هل التكنولوجيا هي التي ترسم لنا نمط عيشنا وتسيّرنا وفق دينامياتها، أم نحن الذين نسيّرها ونطوّعها وفق ما يجب للحياة أن تعاش؟.
وحذرت بشدة بأن لا ندع التكنولوجيا تتحكم فينا، وفي أنماط تفكيرنا وعلاقاتنا مع أنفسنا والمجتمع المحيط بنا، حتى لا نكون أسرى لهذه التكنولوجيا، مخاطبةً الخريجين، بقولها: "وهذا ما رغبت تذكيركم ومشاركتكم به".
من جانب آخر حظيت هذه السيدة بشعبية واسعة النطاق، وأصاب العالم حالة من الحزن على رحيل ميركل من الحياة السياسية، وهي من أوصت بضرورة مواصلة العمل في المستقبل على هيكل أمني أوروبي مشترك، وأن يتم ذلك بمشاركة روسيا.
ويبقى السؤال مطروحاً: هل هي راضية عن توجهات بلادها في الحرب الروسية الأوكرانية، إذا افترضنا أن قرارها الذي اتخذته عام 2008 بشأن انضمام أوكرانيا إلى الناتو كان صحيحاً؟!.