Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

موائد الموت

موائد الموت

A A
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نِعْمَ الصاحب لأصحابه، يشاركهم في أفراحهم وأحزانهم، ويشعر بآلامهم وآمالهم، ويساعد في رفْع الحزن والأسى عنهم، وله في ذلك مواقف كثيرة تدل على منهج تربوي أخلاقي في تعامل المسلم مع أصحابه، ومن ذلك موقفه مع أهل جعفر بن أبي طالب بعد استشهاده في غزوة مؤتة، فعندما علم عليه الصلاة والسلام بمقتل جعفر «رضي الله عنه»، شرع لأهل بيته بأن يصنعوا طعامًا لأهل جعفر فقال: اصنعوا لأهل جعفر طعامًا، فقد أتاهم ما يشغلُهُم. يستدل من هذا الحديث أنه يُسَنُّ لجيران وأقارب أهل المَيِّت تهيئة وصنع طعام يبعثون به إلى أهل الميت، إعانة لهم، وجبْراً لقلوبهم، فإنهم اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم من المعزين، وبأن لا يخرج هذا الأمر عن الحدِّ المعقول إلى التكلف والمباهاة والمفاخرة، وألا يصل التنافس إلى الحلف باليمين المغلظة لإثبات قوة ومتانة العلاقة بأهل الميت. وأما كون أهل الميت يصنعون الطعام ويجمعون الجمع من المعزين فهو لا يصح ولا يجزي، بل هو من البدع، وخلاف هدي وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لو اعتبره البعض من الشيم ومن مكارم الأخلاق، ومن عرف وعادات وتقاليد المجتمع، مصداقا لقول الصحابي جرير بن عبدالله رضي الله عنه: كنا نعد الاجتماع والجلوس عند أهل الميت وصنعهم الطعام بعد الموت من النياحة. ويؤجر من ذبح من أهل الميت ذبيحة لأجل الصدقة بها على الفقراء والمساكين، ودون وقت مخصوص كيوم الموت، أو سابع الموت، ويوم الأربعين من الموت، حتى لا يتخذ ذلك سنة وعادة، كما يشرع توزيع ملابس الميت أو البعض من أمواله، فقد سأل عليه الصلاة والسلام عن هذا، حيث قال له أحد الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله، إن أمي لم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ فقال: نعم. وما يقوم به البعض من أهل الميت في هذه الأيام وقبل دفن الميت من تهيئة مكان العزاء بالفرش والكراسي والأنوار، وصنع الطعام من غذاء وعشاء لمدة ثلاثة أيام، ودعوة الجمع من المعزين، فهو من البدع التي يجب بيانها للناس وإرشادهم إلى تركها، ومع أنها مخالفة للسنة، فتشكل أعباء إضافية لأهل الميت، وضياع للوقت والمال، وإشغال للناس عن قراءة القرآن والذكر المأمور به عند المصيبة. وأوجه لمن اعتاد هذه العادات المتوارثة، أن يتبع أسوة الرسول الحسنة «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة»، وما كان عليه سلف الأمة، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فلا نرهق أنفسنا بمثل هذه الأمور، التي ما أنزل الله بها من سلطان، فالعزاء أصبح وعند الأكثرية مجاملة اجتماعية، ولا يمكن تغيير عادات متجذرة بين يوم وليلة من خلال كلمات عابرة، لكن هي محاولة للتذكير وتصحيح بعض المفاهيم.. اللهم اغفر وارحم وتجاوز عن أمواتنا وأموات المسلمين.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store