(لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِيْ كَبَدٍ) هكذا قال الله تعالى، فالإنسانُ منذ أنْ خُلق وحتَّى يموتَ يكابدُ المشاقَّ والمصاعبَ، مهما اختلفت أجناس الناس، وأديانهم، وأموالهم، وإنَّما الذي يختلفُون فيه هو ردَّات أفعالهم نحوها.
إنَّ الهمومَ والأحزانَ ليست لها ارتباطٌ بمقدار الابتلاءِ وكثرته، فكم من مُثقلٍ بالمشاقِّ والمصائبِ تملأ السعادة جوانحَ قلبه! وكم ممَّن أصابه يسيرُ البلاءِ فامتلأ قلبه بالهمومِ والأحزانِ والكآبةِ.!
هناك أسبابٌ تفسِّرُ ذلك منها: القدرةُ على الصبرِ والتحمُّلِ والذي يختلفُ عضويًّا ونفسيًّا بين الناس، ومنها: نوعُ البلاءِ، فبعضُ الناس قد يصبرُ على موت عزيزٍ، لكنَّه لا يصبرُ على فقرٍ، وبعضهم يصبرُ على مرضه وآلامه، لكنَّه لا يصبرُ على مرضِ وآلامِ أحدِ أبنائه، ومنهم مَن يصبرُ على الأذى الحسيِّ، ولا يصبرُ على الأذى النفسيِّ، وهكذا... فاختلاف نوع المُصاب له أثرٌ على قدرة الناس على الصبر والتحمُّل لاختلاف طبائعهم.
كما أنَّ الامور الدافعة للهموم والأحزان له أثرٌ في تقليلها والتخفيف منها، فالمفرحات كثيرة، كالترفيهِ، وصحبةِ الإخوان، والبُعد عن المنغِّصات، ونحو ذلك ممَّا له أثرٌ واضحٌ معلومٌ، وما أجمل أنْ ترى مَن تعلم كثرة مصائبه، ثم تراه يملأ الجو فرحًا وضحكًا، وتشفقُ على مَن عَزل نفسه وتفرَّغ لما يزيده همًّا على همِّه، وبؤسًا على بؤسهِ، وكأنَّ ذاك سيزيل معاناته أو يخففها.
إنَّ الإحسان للآخرين، وأداء الحقوق، والمحافظة على الفطرة السويَّة، وسلامة الصدر له دورٌ مشهودٌ في الأمور الدَّافعة للهموم والأحزان، والصبر على المصائب، كما أنَّ استشعار النعم التي ينتفع بها الإنسان، ويفتقدها آخرون تملأ القلب رضًا وقناعةً.
أمَّا اللجوءُ إلى الله، والقرب منه فهو الحصنُ الحصينُ من الهموم والأحزان، وهو دربُ السعادة الأكبر، فكُن على يقينٍ أنَّ الرحمنَ الرحيمَ سوف يختارُ لك الأفضل، وسوف يعوِّضك بصبرك من خير الدنيا والآخرة.