Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حفيد الزمخشري “بلو” الذي أجبر الظلام على النور.. وتحدى العمى “بإبصار”

حفيد الزمخشري “بلو” الذي أجبر الظلام على النور.. وتحدى العمى “بإبصار”

النجاح طريق السعادة، والعنوان الأبرز في مسيرة الحياة المفعمة بالانجازات المتعددة لأولئك العصامين الذين حولوا العوائق إلى نجاحات بارزة أرووها بعرقهم وكتبوها بجدهم واجتهادهم بأحرف من نور في جبين التا

A A

النجاح طريق السعادة، والعنوان الأبرز في مسيرة الحياة المفعمة بالانجازات المتعددة لأولئك العصامين الذين حولوا العوائق إلى نجاحات بارزة أرووها بعرقهم وكتبوها بجدهم واجتهادهم بأحرف من نور في جبين التاريخ وفوق هامات السحب، لتصير بعد حين نبراسًا يحتذى للأجيال القادمة، يهتدون بها نحو الارتقاء إلى سلم المجد والبناء والتقدم وأبطال قصصنا هم كثر في بلادنا، وقدموا الكثير والكثير لهذا الوطن أرضًا وإنسانًا ومن هؤلاء الناجحين بطل قصتنا اليوم وهو:محمد توفيق بلو.بطاقة :الاسم: محمد توفيق بلوالمدير التنفيذي لجمعية إبصار الخيرية للتأهيل وخدمة الاعاقة البصرية مواليد: جدةاستعار الظلام في أعماق عينيه، فأشعل بصائر استنار بها في طريقه بعد أن كان يمشي في ليل دامس ليس يدرك صبحه، ومن مفاتيح النجاح التي استخدمها واستنار بها بيتان من الشعر الذي كان فلسفة جده لأمه. (بابا طاهر زمخشري) الذي يقول “حسبي من الحب أني بالوفاء له أمشي وأحمل جرحًا ليس يلتئم وإن ظلمت فما شكوت فكم قبلي من الناس في شرع ظلموا وما أؤمن به الآن حسبي من العمر أني ما تركت به يومًا يمر ويأتي بعده الندم”. وانطلق محمد توفيق بلو في حياته مستبصرًا ببيت الشعر الذي يتفاءل به والذي يقول “إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي قلبي وعقلي منهما نور”.حلم إبصار بين الطموحات والتحدياتجميل أن يحلم الإنسان والأكثر جمالًا أن يستطيع تحويل الحلم إلى حقيقة شاقًا طريقه بين العزيمة والتردد، وبين الإرادة والهوان إلى أن يرسو على بر الأمان الذي يقوده إلى قمم النجاح بعد قطع مسالك ووديان تزينها عوالم من الطموحات والتحديات، وهذا أشبه بما حدث له؛ فالشاب محمد توفيق بلو عندما غادر مركز اللايت هاوس لخدمات ضعف البصر بنيويورك في أغسطس 1994م وهو ممسك بخيط من الأمل والتفاؤل نتيجةً للخدمات التي حصل عليها، ومتطلع نحو أفق وحلم مشرق بعد أن مضى عليه أكثر من سنتين وهو يبحث عن حلٍ لمعاناته مع ضعف البصر من عيادة طبية إلى أخرى، وانقطع به الأمل وكاد اليأس والإحباط أن يفتك بي بسبب إحالته للتقاعد المبكر من عمله في الخطوط السعودية في 15 أكتوبر 1992م لتفاقم حالة الضعف البصري الشديد الذي أصابه نتيجة التهاب صبغي وراثي بقاع العين، وما ترتب عليه من آثار سلبية ومعاناة إنسانية. ويقول بلو: قادني خيط الأمل والتفاؤل الذي أمسكت به، إلى حلم تحقق بعد تسع سنوات من العمل والاطلاع والتدريب والتنقل ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية حين ساهمت في تأسيس مشروع جمعية إبصار وأصبحت مديرًا عامًا لها لتعمل على تقديم خدمات لضعفاء البصر والمكفوفين وتربطها شراكة عمل مع اللايت هاوس وحققت نجاحات جديرة بالاهتمام أكدتها بعثة مكتب التقييم الفني لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية التي أوردت في تقريرها الصادر في شهر ذي الحجة من العام 1428هـ.رحلتي مع الظلام الأبيضويقول بلو: وساقني التفكير إلى تلفزيون الـ ART الذي أنتج من هذه المادة الإعلامية فيلمًا وثائقيًا بعنوان (رحلتي في الظلام الأبيض) عن تجربتي الشخصية واستفادتي من الخدمات المقدمة في الولايات المتحدة الأمريكية للمعاقين بصريًا، كان هذا الفيلم بمثابة الصوت والصورة الواقعية لحلمي الذي أصبح ملموسًا على الشاشة التلفزيونية. وبعد عرض الفيلم على شاشات الـ ART والتفاعل الاجتماعي معه حزمت أمري وأعددت ملف فكرة المشروع العربي الذي ناديت به في الفيلم، بحيث يهدف إلى إنشاء مركز متخصص لتلبية الاحتياجات التعليمية والتأهيلية والطبية وتوفير المستلزمات الشخصية لجميع فئات المعاقين بصريًا وتقديم الخدمات والأجهزة المساعدة لهم والعاملين في حقل الإعاقة البصرية، للنهوض بمستوى الخدمات المقدمة للمعاقين بصريًا في المملكة، والحد من العوائق التعليمية والاجتماعية والعملية التي تواجههم من خلال تطوير البرامج التأهيلية، وتوفير التكنولوجيا المساندة لتنمية قدراتهم الذاتية في التدريب، وإعادة تأهيلهم لتطوير إنتاجيتهم على المستوى الوظيفي والاجتماعي للمشاركة في التنمية الاقتصادية للمجتمع، واعتبرت أن هذا المشروع سيقوم على تقليص عبء رعاية المعوقين بصريًا على الدولة عبر المساهمة الفعالة من القطاع الخاص، وتحويل خدمات المعوقين من دائرة الدعم الخيري إلى الاستثمار في مشروع يساهم في نمو الاقتصاد ومكمل للخدمات الإنسانية في المجتمع، فطرقت باب رجال الأعمال وأهل الخير لتبني حلمي. ابتسم الحظ أخيرًا بتحقيق حلميوبعد العديد من المحاولات التي باءت بالفشل وكادت أن تقضي على طموحاتي، ابتسم لي الحظ في ربيع ثاني 1421هـ - يوليو 2000م عندما تبنى كل من: معالي الدكتور أحمد محمد علي (رئيس البنك الإسلامي للتنمية) وسعادة الدكتور عاكف أمين المغربي (رئيس مجموعة مستشفيات ومراكز مغربي)، وسعادة الدكتور عدنان البار (مدير عام الشؤون الصحية بمنطقة مكة المكرمة آنذاك)، وسعادة الدكتور عصام قدس «يرحمه الله» (مدير مستشفي العيون بجدة سابقًا) فكرة المشروع ورفعوا التماسًا إلى صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود (رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية - أجفند). لطلب دعم سموه للفكرة لما لسموه من أيادٍ بيضاء واهتمامات بارزة في دعم المشاريع الإنسانية والتنموية.واتسعت رقعة الحظ في 20 شوال 1421هـ عندما رد سموه مؤكدًا أن هذا المشروع يأتي ضمن أولويات واهتمامات برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية (أجفند) وأبدى استعداده لدعم المشروع. وتبرع سعادة الدكتور عاكف أمين المغربي، بتجهيز مكتب للمشروع داخل مستشفى مغربي، وانطلق منه العمل في 10/3/2001م بجمع معلومات حديثة عن المعوقين بصريًا، مراكز تأهيل المعوقين بصريًا القائمة في المملكة وطاقتها الاستيعابية ومقدرتها الفنية وتوزيعها الجغرافي، الأجهزة والمعدات الطبية المساعدة للمعاقين بصريًا وآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا والطب الحديث في هذا المجال.وفي 16/9/2001م عقد اجتماع الهيئة التأسيسية الأول برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود، ثم عقد الاجتماع الثاني بمقر البنك الإسلامي للتنمية بجدة في 17 رمضان 1422هـ - 2 ديسمبر 2001م، لمناقشة نتائج الدراسات الأولية والنظام الأساسي للمشروع، وتقرر فيه اختيار صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود رئيسًا فخريًا للمشروع، وتكوين اللجنة التنفيذية للمشروع برئاسة معالي الدكتور أحمد محمد علي.الاستفادة من خبرة اللايت هاوسوقد تأكدت الحاجة للاستفادة من خبرة اللايت هاوس في مجال العناية بضعف البصر إبان فترة جمع المعلومات للمشروع بعد أن تم إعادة فحص (66) طالبًا و(36) طالبة من المكفوفين بمدارس جدة عبر مركز إبصار في مستشفيات مغربي، إذ تبين أنه بالإمكان مساعدة أكثرهم وتحسين ظروف الإبصار لديهم في حال توفر عيادة ضعف بصر متخصصة والاستعانة بالخبرة العالمية، فقد ظهر أن (43) من الذين فحصوا يمكنهم الاستفادة من المعينات البصرية و(12) بالعمليات الجراحية و(24) منهم يحتاجون إلى متابعة حالاتهم؛ مما دلل على أهمية وجدوى تنمية وتطوير عيادة لضعفاء البصر وتوفير المعينات البصرية اللازمة كجزء هام من خدمات جمعية إبصار، خصوصًا أن عدد ضعفاء البصر والمكفوفين متفاقم في عالمنا في ظل عدم وجود مراكز متخصصة في التعامل مع ضعاف البصر. إذ قدر المكتب الإقليمي لشرق الأبيض المتوسط في أحدث تقاريره بأن عدد المعوقين بصريًا بلغ بنهاية 2007م (36.3 مليون شخص) منهم (5.3) مليون كفيف و15 مليون ضعيف بصر و16 مليونًا يعانون من عدم تصحيح العيوب الانكسارية.ولم يكن حلمي مجرد إنشاء المركز وتقديم خدمة إعادة التأهيل فقط بل كنت أتطلع لتعريب التكنولوجيا الناطقة التي شاهدتها في الولايات المتحدة الأمريكية وشاءت الأقدار أن تكون شركة صخر آنذاك تعمل على إنتاج برنامج كمبيوتر ناطق خاص بالمكفوفين العرب وبمجرد العلم بذلك بدأنا العمل مع شركة صخر في أغسطس 2001م بتنمية وتطوير التقنية الصوتية للمعوقين بصريًا، مما شجع شركة صخر على التعاون الاستراتيجي مع إبصار فتم تأسيس مركز مصغر في مستشفيات مغربي بتكلفة تجاوزت 110.000 ريال يتكون من مكتب للإدارة ومعمل كمبيوتر يحتوي على سبعة أجهزة كمبيوتر مزودة بنظام الآلة القارئة الذي أطلقت عليه شركة صخر اسم (نظام إبصار) تجاوبًا مع طلبي لذلك ليكون إبصار منظومة متكاملة ذات أبعاد طبية وتقنية واجتماعية، وزود معمل التدريب بجهاز CCTV المكبر التلفزيوني لضعفاء البصر.لقد كنت في غاية السعادة وأنا أرى نفسي أعود للعمل بعد هذه السنين مشرفًا ومديرًا لهذا المركز الصغير الذي استطاع أن يقدم لأول مرة في العالم العربي تدريبًا على استخدام الكمبيوتر لـ100 معوق بصريًا من الإناث والذكور خلال ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى حصولهم على فحوصات قياسات نفسية وحضورهم العديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تم تنظيمها، وشجع ذلك قسم الطالبات ذوات الاحتياجات الخاصة بجامعة الملك عبدالعزيز للبنات على تركيب معمل كمبيوتر للكفيفات بتمويل من السيدة ناجية عبداللطيف جميل.وقد كنت بدأت نشاطاتي الإدارية في المركز بتمثيل إبصار في المؤتمر العربي الأول لتطوير وتوحيد خط برايل الذي نظم في الرياض 8 أكتوبر 2002م، والسفر إلى القاهرة للمشاركة في احتفالات اليوم العالمي للبصر 10 أكتوبر 2002م والذي على أثرها تم البت في تأسيس مركز لإبصار بمستشفيات مغربي في القاهرة.كما قمت بعقد اجتماعات واستشارات فنية لتأسيس عدد من الجمعيات والمراكز منها جمعية البصيرة ببريدة، مركز المرام لخدمة الكفيفات، وعلى المستوى العربي مثل بسمة بتونس، جمعية الأمان باليمن.واستفادت شركة صخر من التجربة والخبرة لمركز إبصار في فتح معامل تدريب في السعودية وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة ومصر. كما استفاد المكفوفون على نطاق واسع في الإبداع باستخدام التقنيات المتاحة لهم والمنافسة مع المبصرين حين قامت إبصار لاحقًا بتقديم الدعم الفني والتبرع ببرنامج إبصار لشبكة الكفيف العربي التي أسسها ماجد عسيري الذي كان من أوائل المتدربين بمركز إبصار ومقتنين لبرنامج إبصار وطور نفسه لاحقًا ليصبح مؤسسًا لأول موقع يديره مكفوفون على شبكة المعلومات.استبيانات ساعدت في تحديد أهداف إبصاروكان قد سبق تلك الآونة عقد اجتماع الهيئة التأسيسية الثالث بمقر (أجفند) بالرياض في 7/5/2002م، الذي تقرر فيه بدء ذلك النشاط لفترة تجريبية ريثما يتم الانتهاء من تسجيل الجمعية رسميًا وتجهيز مقر مستقل.امتدت الفترة إلى أكثر من عام وكانت حافلة بالنشاط حقق فيها حلمي الكثير من الإنجازات التي لم أكن أتوقعها على مدى سنوات فأضافت إلى طموحاتي وآمالي أبعادًا وآفاقًا جديدة لفكرة المشروع فقد أنهيت دراسة عن المعوقين بصريًا وأنواع الإعاقات البصرية والتوزيع الجغرافي والوضع الاقتصادي والاجتماعي للمعوقين بصريًا ومراكز تأهيل المعوقين بصريًا في المملكة وطاقتها الاستيعابية ومقدرتها الفنية وتوزيعها الجغرافي، ومعلومات عن الأجهزة والمعدات المساندة للمعاقين بصريًا وأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا والطب الحديث في هذا المجال، كما شملت الدراسة استطلاع آراء لأكثر من 500 شخص من المعوقين بصريًا وأسرهم والعاملين في المجال تم بموجبها تحديد أولويات خدمات المشروع.الدخول في مجال التدريبوقد قادتني تلك الدراسة لاستئناف العودة لمزاولة مهام التدريب التي كنت أعمل فيها آخر سنواتي في الخطوط السعودية بعد توقف استمر سنوات فشاركت ضمن الهيئة العلمية في عدد من الدورات التخصصية داخليًا وخارجيًا، حيث شاركت في الدورة الأولى لتنمية مهارات التعامل مع المكفوفين وضعاف البصر التي عقدت في الفترة من 16-20 رجب 1424هـ 13-17 سبتمبر 2003م بمستشفى الملك خالد التخصصي للعيون ضمن الهيئة العلمية للدورة وقدمت مشاركة بعنوان تجربة واقعية للتكيف مع الإعاقة البصرية من خلال عرض فيلم رحلتي في الظلام الأبيض والإجابة عن أسئلة الجمهور.وللنجاح الذي حققته تلك المشاركة دعيت للمشاركة بمحاضرة بعنوان «أضواء على جمعية إبصار.. الأهداف والخدمات” في الدورة الثانية (التعامل الأمثل مع المعاقين بصريًا) التي نظمتها المستشفى في 6 - 7 صفر 1427هـ. ومن خلالها التقيت بالشيخ سلمان العودة المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم، وقد أثمر اللقاء عن تعاون بين المؤسسة والجمعية بإطلاق خدمة “إبصار الإسلام اليوم” استهدفت المكفوفين من خلال تقنية تتيح لفاقدي البصر تصفح موقع الإسلام اليوم بكل سهولة من خلال برامج تحويل النصوص المكتوبة إلى مقاطع صوتية مسموعة تتحدث عن محتوى النص باستخدام برنامج إبصار القارئ.اكتشاف نفسي وممارسة هواياتي الأدبية والإعلاميةلم تكن تلك الفترة مجرد العودة للعمل فقط بل لقد وجدت فيها فرصةً في اكتشاف نفسي وممارسة هواياتي الأدبية والإعلامية؛ فاستطعت أن أصدر كتابين خلال ثلاث سنوات كان أولهما بعنوان حصاد الظلام وهو المؤلف الذي تناول قصة فيلم رحلتي في الظلام الأبيض الذي لعب دورًا هامًا في إيجاد فكرة مشروع إبصار، والثاني كتاب بعنوان “الماسة السمراء بابا طاهر القرن العشرين” يروي جزءًا من حياة الشاعر الراحل طاهر زمخشري.ومما زاد حماسي هو استعادة نشاطاتي الوظيفية فوجدت نفسي أشارك في مؤتمرات وأحاضر في برامج تدريبية وأتنقل ما بين بلد وآخر وهذا صميم ما كنت أمارسه قبل الدخول في عالم الإعاقة البصرية وفقدان عملي في الخطوط السعودية، مما يعني أن أهم فوائد الحصول على خدمة للتعامل مع الإعاقة البصرية هي تمكين الإنسان من مواصلة حياته العملية، من حيث توقفت وظائفه البصرية باستخدام الحواس التعويضية والوسائل البديلة وأن ينمي خبرته للاستمرار في ممارسة حياته العملية.لقد تحولت من العجز عن العمل بسبب ضعف البصر إلى القدرة على تنويع في الأعمال والمهام وتوصلت بدعم وتوجيهات من أعضاء اللجنة التنفيذية إلى صيغة نهائية لنظام أساسي للجمعية بحيث تكون صرحًا شامخًا على مستوى المملكة العربية السعودية والعالم أجمع لتعكس مستوى راقيًا للخدمات التي تقدم للمعوقين بصريًا والعاملين على خدمتهم. وصدرت موافقة وزير العمل والشؤون الاجتماعية في 8 ربيع الأول 1424هـ على تأسيس جمعية إبصار الخيرية. في تلك الأثناء التي كان العمل يسير بالتوازي ما بين التجهيز والإعداد العام لاستكمال المشروع وتنفيذ برنامج الاستشارة والتدريب مع اللايت هاوس بعد أن بدأ بتوقيع اتفاقية مساعدة فنية بين مشروع إبصار والبنك الإسلامي للتنمية بمبلغ 250 ألف دولار أمريكي.وفاة أحد أعضاء الفريق في مركز اللايت هاوس وكانت مساهمة البنك في تمويل الخطة ضمن مجالات التركيز الاستراتيجية الأساسية لرؤية البنك لعام 1440هـ، التي تندرج تحت بند “تحقيق زيادة كبيرة في تركيز البنك على التنمية البشرية”. وسافرت على رأس فريق مكون من (6) أفراد للالتحاق بدورة اللايت هاوس الأولى في “العناية الإكلينيكية بضعف البصر” في الفترة من 16 إلى 28 أكتوبر 2003هـ بمركز اللايت هاوس بنيويورك. وقد واجهنا موقفًا مأساويًا حين توفي أحد أعضاء الفريق في مركز اللايت هاوس أثناء التدريب بسبب نوبة قلبية مفاجئة فأصيب أعضاء الفريق بصدمة انعكست علينا ولكن مشيئة الله أن يكون مواصلة الدورة والتعامل مع الوضع للعودة للوطن والتطلع لتحقيق الحلم جعلني أتماسك وأقود الفريق لإنهاء البرنامج التدريبي بنجاح فهذه اللحظة كنت أنتظرها منذ سنوات بعد عناءٍ مرير.ضعف أو فقدان البصر لا يعني فقدان أو التوقف عن العمللقد كانت عودتي إلى اللايت هاوس بعد أكثر من 6 سنوات من الزيارة الأولى في العام 1994م بمثابة الاستيقاظ من كابوس كنت أعيشه في سنوات الظلام الذي خيم عليّ عندما كنت أعيش في فترة التقاعد ووجدت نفسي في منعطف طريق شائك بحبال من اليأس والإحباط لا يُعرف له مسلك واستنرت عندما حصلت على الخدمة والتقييم المناسب لحالتي وتعلمت حينها أن ضعف أو فقدان البصر لا يعني فقدان أو التوقف عن العمل فكانت تلك نقطة الانطلاق إلى المرحلة التي حققت فيها جزءًا من الحلم والطموحات التي تطلعت إلى تحقيقها بعد زيارتي الأولى للايت هاوس حين تمنيت آنذاك أن يكون لي ممول لأحصل على التدريب والتأهيل المناسب لي كضعيف بصر، ولكن شاءت الأقدار أن أعود بتمويل من مجموعة البنك الإسلامي وأجفند ليس كضعيف بصر بل كشريك عمل اللايت هاوس ورئيس مجموعة من أطباء وإخصائيي بصريات للتدريب على إدارة مشروع يعنى بضعف البصر في المملكة والعالم العربي، الأمر الذي جعلني أتبنى فلسفة مفادها أن خدمة العناية الإكلينيكية المتكاملة لضعف البصر تؤدي لضعيف البصر للتحول من مريض بالعيادة إلى شريك عمل، حيث خرجت من عيادة ضعف البصر باللايت هاوس وأنا متفهم لحالتي ولدي الوسائل التي سأتعامل بها مع حالتي، «المكبر اليدوي، وعصا التحسس، وورق الكتابة ذو الخطوط الداكنة، والإرشاد والتوجيه للتكيف مع حالتي» جعلتني أعود إلى المملكة وبدأت لممارسة حياتي اليومية والعملية من حيث توقفت عند إحالتي للتقاعد فكانت تلك المرحلة بمثابة الخطوة الأولى لتحويل الحلم إلى حقيقة. تعييني مديرًا تنفيذيًا للجمعيةوعلى أي حال عدنا وعقد الاجتماع التأسيسي لجمعية إبصار في 2003 برعاية صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز وحضور كل من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن أحمد بن عبدالعزيز عضوًا للهيئة التأسيسية، وصاحب السمو الملكي الأميرعبدالعزيز بن طلال بن عبدالعزيز وعدد من أعضاء الهيئة التأسيسية. وأعلن رسميًا عن تأسيس جمعية إبصار الخيرية، وانتخاب وتشكيل مجلس الإدارة وانتهى الاجتماع بقرار اختيار صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود رئيسًا فخريًا للجمعية. وتعييني مديرًا تنفيذيًا للجمعية.إيجاد مقر مستقل للجمعيةفي تلك الأثناء كان التحدي الأكبر هو إيجاد مقر مستقل للجمعية يتم من خلاله تقديم باقي الخدمات المختلفة للمعاقين بصريًا، فأعددت دراسة لأحدث المزايا والشروط الواجب توفرها في مباني ومرافق خدمات العوق البصري، ودراسة أخرى مالية واقتصادية لتأسيس وتشغيل جمعية إبصار. وتم الانتقال في 29/11/2004م إلى مقر الجمعية الجديد الذي تم تصميمه وتجهيزه بناءً على الدراسة التي أعددتها كأول مقر نموذجي على المستوى المحلي والإقليمي للعناية بضعف البصر وإعادة تأهيل المعاقين بصريًا.توالت فيها الإنجازات التي كللت حتى الآن باستفادة 4.171 معوقًا بصريًا ومختصًا بتكلفة إجمالية بلغت 15.663.238 ريال، عدا عامة الجمهور من المعوقين بصريًا والمختصين والأسر الذين حضروا الأنشطة التوعوية العامة التي نفذتها الجمعية. مشروع إبصار واللايت هاوسحيث حقق مشروع إبصار واللايت هاوس السبق في العالم العربي فكان أول مشروع يعنى بتدريب إخصائيي البصريات وأطباء العيون على العناية الإكلينيكية بضعف البصر. كما قادني العمل ضمن مشروع اللايت هاوس إلى العالمية حين دعيت إلى أوسلو في أكتوبر 2004م من قبل اللايت هاوس والرابطة العالمية لأبحاث ضعف البصر وإعادة التأهيل للمشاركة ضمن (25) خبيرًا دوليًا لإعداد ورقة عمل «نحو الحد من المؤثرات العالمية الناجمة عن ضعف البصر» ثم عرضناها لاحقًا في مؤتمر البصر 2005 بلندن، الذي من خلاله التقيت برئيس المجلس الدولي لتعليم المعاقين بصريًا السيد لاري كامبل وحينما تعارفنا واستمع إلى تجربتي وإبصار وجه لي الدعوة لحضور المؤتمر الثاني عشر للمجلس الدولي لتعليم المعاقين بصريًا (ICEVI) (ماليزيا 16 -21 يوليو 2006م) وأعلن فيه اطلاق الحملة العالمية لتعليم 4 ملايين طفل كفيف حول العالم محرومين من التعليم واختياري كممثل عن المجلس في المملكة العربية السعودية.وقد أثمرت تلك الأنشطة والأعمال مع اللايت هاوس عن إعلان صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن أحمد بن عبدالعزيز (رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة العمى) عن منح جمعية إبصار الخيرية ثقة اللجنة الوطنية لمكافحة العمى للعمل كعضو مشارك ومنفذ رئيس لبرامج خدمة ضعف البصر ومكافحة العمى في المملكة لتدريب الأطباء.------------------------------------------------------------تحقق حلم إبصاراسس المشروع على أساس جمعية تسجل في وزارة الشؤون الاجتماعية، بحيث تكون مرجعية لكل الجمعيات العاملة في المملكة وخارجها ثم يتم تطوير المشروع بعد ذلك، والموافقة على أهداف النظام الأساسي المقترح.ثم عقدت اللجنة التنفيذية اجتماعها الأول في 25 شوال 1422هـ الموافق 9 يناير 2002 م، وقررت تسمية الجمعية باسم «إبصار» على أن يلفظ كما هو في أية لغة أخرى، واعتماد هذا الاسم في جميع المكاتبات الخاصة بالمشروع اعتبارًا من 1/3/2002م. وأن يمول برنامج الخليج العربي والبنك الإسلامي للتنمية استقدام خبيرين عالميين لتقديم دراسات فنية للمشروع، وأن يتم الاتصال بمؤسسة اللايت هاوس الدولية للحصول على استشارات فنية وعلمية لإنشاء وتشغيل المركز، وتقديم الاستشارات الهندسية لتصميم مبنى إبصار، وقامت نائبة رئيس المؤسسة للبرامج الدولية الدكتورة ماريان لينج في 8/6/2002 م، بأول زيارة لها إلى المملكة العربية السعودية، واجتمعت بسعادة الدكتور عاكف المغربي، ومندوبين عن البنك الإسلامي للتنمية وإدارة مركز إبصار، قدمت خلاله المبادئ الأساسية للعمل مع مركز إبصار من خلال مشروع يتضمن تقديم الاستشارات الفنية والتدريب والتطوير لمدة خمس سنوات لعدد خمسة مراكز، مع تزويد عيادات تقويم البصر بالمعدات والأدوات اللازمة للعيادات والمساندات البصرية للمرضى، وتبادل المعلومات والخبرات وبرامج توعوية للعامة والمختصين، وبرنامج تدريب طبي وتأهيلي لخمسة أفراد مختصين لمدة أسبوعين بنيويورك ليكونوا نواةً للمشروع، ودورات متابعة مستمرة في المملكة لمدة عشرة أيام من كل سنة على مدى الخمس سنوات، مع تزويدهم بالمعدات واللوازم التدريبية.لم تكن تلك الأحداث صدفةً عابرة بالنسبة لي ووجدت صعوبة في وصف مشاعري وأنا أرى تسارع تلك الخطوات منذ أن ابتسم لي الحظ فما يجدر ذكره هو أن اللايت هاوس والدكتورة ماريان لينج كانا أول نقطة انطلاق لحلمي عندما زرت اللايت هاوس في أغسطس 1994م وقد حظيت باهتمام حيث كنت أول حالة تأتي من المملكة العربية السعودية للحصول على خدمة، وانبهرت بما شاهدت -عفوًا بما لمست وهو يضحك- من تقنية ومرافق وكوادر متميزة. فاللايت هاوس منظمة تأسست منذ أكثر من مائة عام وتعاطفت مع قصتي الدكتورة ماريان لينج التي كانت منسقةً للبرامج الدولية آنذاك ورافقتني في جولة شاملة للمركز وعرفتني على برامج التدريب التي بإمكاني الحصول عليها، فكان ما شاهدته بمثابة الشعلة التي أوقدت فيّ الحماس والأمل والطموح نحو نقل مثل هذه الخدمات إلى بلادنا، وقبل ذلك كله تلقي تدريب بالمركز ولكن كانت (العين بصيرة واليد قصيرة) فلم أستطع لعدم وجود المورد المالي لتكاليف ذلك. وعلى أي حال مرت الأيام والسنين وقدر الله أن تكون انطلاقة مشروع إبصار الفعلية بتنفيذ من قسم البرامج الدولية باللايت هاوس الذي أصبحت الدكتورة لينج رئيسًا له بحلول العام 2000م.------------------------------------------------------------انضمام الجمعية لعضوية الوكالة الدولية لمكافحة العمىكما كان لانضمام الجمعية لعضوية الوكالة الدولية لمكافحة العمى ومبادرة النظر 2020 توسيع طموحاتي في مواصلة العمل كخبير دولي المتعلقة بمكافحة العمى فحضرت الاجتماع السنوي للوكالة الدولية لمكافحة العمى (جنيف 21-22 سبتمبر 2006م) وعلى أثره تابعت نشاطي في العمل الدولي مع مبادرة النظر 2020 والمكتب الإقليمي لشرق الأبيض المتوسط الذي رشحني لأكون عضوًا في لجنة المساندة والعلاقات العامة الدولية فشاركت في وضع خطة وشعار احتفال العالم بيوم البصر العالمي 2008م وذلك أثناء حضوري اجتماع الجمعية العمومية للوكالة الدولية لمكافحة العمى الأرجنتين 2008.------------------------------------------------------------قطف ثمار الطموحات والتغلب على التحدياتفي تلك الأثناء كانت الجمعية تتطور وتتنوع برامجها المقدمة للمعوقين بصريًا والمختصين بعد أن تم إعداد هيكل تنظيمي لإدارتها ولائحة لتنظيم العمل، وسياسات وإجراءات الموارد البشرية والمستفيدين من الخدمة، وتعيين الكوادر المتخصصة الذين بهم بدأ انطلاق تعليم برايل في عام 1426هـ واستفاد منه 170 معوقًا بصريًا و45 مختصًا أيضًا قدم للمرة الأولى على المستوى الإقليمي دورات في الحركة والتنقل الآمن استفاد منها 165 معاقًا بصريًا و91 مختصًا، دورات رخصة قيادة الحاسب الآلي الدولية (ICDL) ومبادئ اللغة الانجليزية لـ 40 معوقًا بصريًا. وكان قد سبق ذلك إطلاق خدمات عيادة ضعف البصر وما يتبعها من خدمات نفسية واجتماعية وإرشاد أسري استفاد منها أكثر من 1300 معوق بصريًا، وأخيرًا وليس آخرًا يبقى الحلم متعلقًا بين زمن قطف ثمار الطموحات والتغلب على التحديات فمن المسلم به هو أن أي إنسان ذي طموحات قد يتعثر فهو مخلوق في كبد وعليه أن يحتسب لعمره وألا يترك به يوم يمر ويأتي بعده الندم، وأن يواصل مسيرته بتخطي مصاعبه ويملأ حياته بالآمال والأحلام.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store