Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

مؤسسة «تكوين».. تصادر الفكر العربي وتعلن وصايتها عليه (2)

A A
دحضتُ في الجزء الأوّل بالأدلة بعض مزاعم الأستاذ إبراهيم عيسى للتشكيك في السيرة النبوية، أمّا اليوم فسيكون قراءة لمعضلة الإسراء والمعراج من كتاب «شجون تراثية» للدكتور يوسف زيدان.

عندما بدأتُ أقرأ الكتاب ظننتُ أنّني أخطأتُ وأخذتُ كتاب أحد المستشرقين عن السيرة النبوية بدلًا من كتاب «شؤون تراثية» للدكتور زيدان، لأنّ أسلوبه وفكره وخلفيته الثقافية هي ذاتها للمستشرقين، من ذلك:

أولًا: لا يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم عند ذكر كلمتي «الرسول، والنبي» كالمستشرقين، مثل قوله: «أثناء حياة النبي والصحابة والتابعين»، ولا يترضَّى عن الصحابي عند ذكر اسمه.

ثانيًا: عدم الأمانة في النقل؛ إذ يقتطع النصوص من سياقها لتخدم أهدافه، كالتالي:

حرصه على نفي قدسية المسجد الأقصى لدى المسلمين، فنزع ما كتبه ابن تيمية عن المسجد الأقصى في فصل المسجد في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم»، التي تثبت قدسية المسجد لدى المسلمين، وتقديس اليهود لقبة الصخرة، وجعلها قبلتهم، ونقل منه الذي يوحي بعدم قدسية المسجد، فقد بدأ ابن تيمية الفصل ببيان مكانة المسجد الأقصى لدى المسلمين، فقال: «وأمّا المسجد الأقصى فهو أحد المساجد الثلاثة التي تُشَد إليها الرحال، وكان المسلمون لما فتحوا بيت المقدس على عهد عمر بن الخطاب -حين جاء عمر إليهم فسلم النصارى إليه البلد- دخل إليه فوجد على الصخرة زبالة عظيمة جدًا، كانت النصارى قد ألقتها عليها معاندةً لليهود الذين يُعظِّمون الصخرة ويُصلّون إليها، فأخذ عمر في ثوبه منها واتبعه المسلمون في ذلك...» ثمّ أورد قوله تعالى عن التابوت: (أن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ)، فقيل: إنه كان فيه الصحف التي أنزلت على موسى فألقاها، يقال: فتحطمت، جاء هذا في بعض الروايات، وعلى كل حال فهذا التابوت قيل: إنّهم كانوا يحملونه معهم فإذا أرادوا الصلاة وضعوه واستقبلوه، فإذا كانوا في بيت المقدس كانوا يضعونه على الصخرة فكانوا يستقبلونها، ثم بعد ذلك صارت قبلة لهم، فالشاهد أنّ المسلمين لم يُعظِّموا هذه الصخرة.. فترك د. يوسف هذا كله، ونقل هذا النص: «وكانت الصخرة مكشوفة ولم يكن أحد من الصحابة لا ولاتهم ولا علماؤهم يخصها بعبادة، وكانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان مع حكمهما على الشام، وكذلك في خلافة علي وإن كان لم يحكم عليها».

ولم يورد د. زيدان قول ابن تيمية في هذا الفصل: «وقد ثبت في الصحيح: «أن النبي لما أتى بيت المقدس ليلة الإسراء صلى فيه ركعتين ولم يصل بمكان غيره»، وحديث المعراج، فيه ما هو في الصحيح، وفيه ما هو في السنن والمسانيد، وفيه ما هو ضعيف، وفيه ما هو من الموضوعات المختلقات». لأن هذا النص يؤكد أن الإسراء كان إلى بيت المقدس، وليس إلى جعرانة الطائف كما يزعم د. زيدان، وإن كان يستشهد بأقوال ابن تيمية، فما رأيه في أقواله التالية:

- «فالمسجد الأقصى كان من عهد إبراهيم عليه السلام؛ لكن سليمان عليه السلام بناه بناءً عظيمًا. فكل من المساجد الثلاثة بناه نبي كريم ليصلي فيه هو والناس». وأقول هنا أنّ هذا القول يدحض مزاعم د. زيدان أنّ المسجد الأقصى لم يكن موجودًا عند نزول القرآن الكريم.

- «المسجد الحرام أفضل المساجد، ويليه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ويليه المسجد الأقصى» وقد روى أحمد والنسائي وغيرهما عن النبي الكريم: «أنّ الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة» أمّا في المسجد الأقصى فقد روي «أنها بخمسين صلاة» وقيل «بخمسمائة صلاة».

وقال: «ثبت في الصحيحين عن النبي الكريم أنّه قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا».. وقوله: «واتفق علماء المسلمين على استحباب السفر إلى بيت المقدس للعبادة: كالصلاة والدعاء، والذكر، وقراءة القرآن والاعتكاف».

كما نجد زيدان في (صفحة 70-71) يقبل بوجود المسجد الحرام الذي لم يكن مبنيًا ليلة الإسراء، مع أنّه شكك في أن يكون البيت الحرام هو المسجد الحرام (السطران الثاني والثالث من صفحة 71) بينما ينكر وجود المسجد الأقصى ببيت المقدس عند نزول القرآن الكريم، ونجده يستدل بما ذكره الأستاذ جواد علي في صفحة (145) من الجزء الرابع من كتاب المفصل في تاريخ العرب عن معبد اللات في الطائف، ولكنه يتجاهل ما ذكره في صفحة 45 من الجزء العاشر أنّ المسجد الحرام لم يكن مبنيًا، قائلًا: «لا نعرف حدوده في الجاهلية على وجه واضح معلوم، وقد كان الجاهليون قد وضعوا أنصابًا على الحدود ليعلم الناس مكان الحرم، ولم يكن له جدار يحيط به، وذكر أنّه كان في عهد الرسول وأبي بكر فناء حول الكعبة للطائفين، ولم يكن له على عهدهما جداراً يحيط به، فلمّا استخلف (عمر) وكثر النّاس وسّع المسجد، واشترى دورًا هدمها وزاد فيه، واتخذ للمسجد جدارًا قصيرًا دون القامة».. وهكذا يتضح لنا أنّ الدكتور زيدان ينهج نهج المستشرقين الذين ينزعون النصوص من سياقها، لجعلها توافق ما يريدونه، ويتركون منها ما يخالفه.

للحديث صلة..

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store