وادي وج وليس وُجّاً

وادي وج وليس وُجّاً

ينطقه العامة بضمّ الواو (وادي وُجّ)، ولم يردْ ذلك في المصادر، ولا في المعاجم نهائيًّا، وإنّما ورد بالفتح، قال النابعة: أتهدي لي الوعيد ببطن وَجٍّ كأني لا أراك ولا تراني وقال أمية بن أبي الصلت: إن وَجّاً وما يلي بطن وَجٍّ دار قومي بَرِيدَةٍ وَرْتُوق وقد ذكر الشاعر كلمة (بريدة) في البيت أعلاه أي: طيبة الهواء لمن يرتاده. وكلا الشاعرين ذكر وادي وَج بالفتح، لأنه لو ضُمَّ لانكسر البيت. ووادي وَجّ من مثيرات الشعر والأدب، بل والحبّ، فالشاعر عروة بن حزام أثاره صوت حمامة وهي ببطن وَجّ، وقارن بين صوتها وبكائه، وأن صوت الحمامة وهو بكاء غير حقيقي قد هيّجه على البكاء الحقيقي: وأنّي إن بكيت بكيت حقًّا وأنَّكِ في بكائك تكذبينا فلست إن بكيت أشد شوقًا ولكني أسرّ وتعلنينا فنوحي يا حمامة بطن وَجٍّ فقد هيَّجتِ مشتاقًا حزينا وقد ارتبط وادي وَجّ بالتاريخ، حيث ارتبط الطائف بوادي وَجّ؛ لأن الوادي سابق لتكونها، وقد ذكر وادي وَجّ شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك الأنصاري حيث قال: قضينا من تهامة كل أرب بخيبر ثم أغمدنا السيوفا نسائلها ولو نطقت لقالت قواطعهن دوسًا أو ثقيفا فلست لمالك إن لم نزركم بساحة داركم منا ألوفا وتنتزع العروش عروش وَجٍّ وتصبح دوركم منا خلوفا وشعر كعب بن مالك أتى بعد غزوة خيبر في العام السابع الهجري فكأنه إيحاء بفتح مكة، وغزوة الطائف وحنين، وفعلاً تمّ ذلك في العام الثامن الهجري، وقد اشتهر وادي وَجّ بالثمار المتعددة والتي اقترن اسمها بثمار الطائف كالرمّان، والعنب، والتوت، والحماط، والخوخ، والتفاح، والمشمش، والجوز، والزبيب، وبقية الفواكه الأخرى، وكانت متوفرة لمن أرادها حيث الحدائق مفتوحة دائمًا، فقد تتساقط تلك الثمار بطبيعتها على الأرض وبكثرة أو يتم جَنْيها.. رأى صاحبي ثمار وَجّ فقال لي ترى هذه الأثمار تسقط أو تجني فقلت له كُلْهَا هنيئًا فإنّما أطايبها تجني وتأتيك من مجنى وهواء وادي وَجّ عليل وجوّه لطيف، ولاسيما في الصيف، وكم من متشوق إلى ذلك الجوّ، ويرسل أحدهم أشواقه إلى جو وَجٍّ: لم أزَلْ شيِّقًا إلى جو وَجّ فسقى الله أوْجَ وَجٍّ الغَمَامَا منزِلٌ حلَّه الحبيبُ فلُقِّيَ من لدنْهُ تحيةً وسلامَا وقال الشاعر: في جوّ وَجٍّ للخدودِ خدودُ فديتك من أرض بكل عنيد وجسْمٌ سَمَا للمجْد فيها بِحجرةٍ فأكْرِمْ محَلاً ليس فيه مُعِيْدُ وكان وادي وَجّ على طبيعته (1391هـ)، ولم يكتنفه البنيان ولا الجسور، كانت هناك بعض المقاهي على شاطئه الأيسر، وكان الماء يجري على شكل الجداول وباستمرار، وكنتُ أعتقد أن هناك عيونًا ينبع منها؛ لأن جريانها أي: الجداول يستمر أثناء وجودي بالطائف صيفًا، إضافةً إلى أن شاطئيه كأنها بساطٌ أخضر، ويتشكل أغلب ذلك البساط من التين الشوكي (البرشومي) مفتوح للجميع، ولا يوجد أحد يعتني به نهائيًّا، كما أن المطر كان واكفًا (ديمةً) كل ليلة تقريبًا؛ ممّا يذكّرني قول الشاعر: يا أيُّها الطائف في حيهم دمعي غدا كالمطر الواكِف مذ غبتَ عن عيني فأوحشتني فصحتُ واشَوقي إلى الطائف ولازلتُ أكرر شوقي إلى الطائف وأهلها...