الثقافة وصناعة الأقفال



يكمن دور العالم في رغبته للتغيير إلى الأفضل، فهو بما يملك من رؤية عميقة للواقع، واستشراف للمستقبل يدرك ما لا يدركه سواه ممن يمرّ على الأفكار والممارسات مروراً عابراً؛ لافتقاده خاصيّة الاستشعار وتوقع المآلات، ومعرفة جريان القوانين والسنن الكونية التي لا تجامل أحداً.


والمجتمعات تمرّ بتحولات كبرى ولكنها تسري سريان النار في الهشيم، فلا يراها كثير من الناس إلا بعد أن تبلغ ذروتها، في حين يستشعر العالم دبيبها وحركتها الخفيّة فيدرك محفزاتها، واتجاه سيرها، وعواقبها، وهذا شيءٌ من التوسّم الذي أخبرنا عنه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:» إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسّم (حديث حسن).

وأعظم التحولات الفتن التي تستهلك قدرات المجتمعات، وتشلّ طاقاتها، وتستدرجها إلى حروب أهليّة، وتشرذمات طائفيّة، وأزمات اجتماعية واقتصادية وثقافيّة. وللفتن مقدمات تبدأ كالقطرات المتباعدة قبل أن تكون موجاً هادرًا. والذي يدرك هذه المقدمات ويستشعر خطورتها ويحذر من عواقبها العلماء الربانيون الذين يعرفون الناس بالتوسم والأفكار بالترسّم يقول الحسن البصري: العالم يرى الفتنة وهي مقبلة قبل أن تقع، وطالب العلم يراها إذا وقعت، وعامة الناس يرونها إذا أدبرت.


ومن بوارق الفتن شيوع ثقافة التأزيم الاجتماعي التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، وصارت ثقافة مجتمع، يقرأها ويشاهدها الصغير والكبير والعالم والجاهل، والعدو والصديق، فتتحول الأفكار الفردية إلى أفكار تشكل الرأي العام، وتضغط بقوة تدفقها على العقل فتلفّه في شباكها كما تلفّ الدوامة كل من يقترب منها.

حمّى الاستقطاب والمتاجرة بهموم الناس والبحث عن كثرة الأتباع وادعاء البطولة الكاذبة في كثير من مواقع التواصل الاجتماعي أفرزت ما يمكن تسميته (بثقافة صناعة الأقفال) التي جلبت على المجتمع بخيلها ورجلها لتغذية الاحتقان، وبناء المتاريس، والهجوم الشرس على أعراض الناس، وتتبع العثرات، وتصيد الزلات، وصناعة الرفوف، وحظيت بكثير من الدهماء الذين يقومون بتدويرها ليلاً ونهارا، وسرا وجهارا، حتى أصبح القلق الاجتماعي أعدل الأشياء قسمة بين الناس.

هذا ليس معناه أن تكمّم أفواه الناس، وتصادر حرياتهم، فهذه حقوق لهم شريطة ألا تتحول الحرية إلى فوضى، والحقوق إلى تسلّط، وفق ما نراه اليوم في كثير من مواقع التواصل الاجتماعي.

أي حراك اجتماعي يكون مولداً للأخطاء، والوعي هوأكبر حوائط الصد التي تمنع استشراء الأخطاء وتحولها إلى أنساق مضمرة قادرة على حماية نفسها من النقد والتصحيح. ولذلك كانت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي من أعظم شعائر ديننا الحنيف، وكانت خيرية أمتنا مرتبطة بها ارتباطا وثيقا، وكان تعظيم هذه الشعيرة دليلا من أهم دلائل التوازن الاجتماعي والتمكين الحضاري، ولكن الشعيرة لها فقهها، وضوابطها الشرعية، لكي لا يجر درء المفسدة إلى ما هوأكبر منها.

إن دور العلماء ومراكز البحوث والدراسات الاجتماعية والعلاج الذهني السلوكي وخاصة في هذه اللحظة الحرجة من تاريخنا المعاصر دور محوري، لا ينبغي إهماله، والتنازل عنه، لإيجاد ثقافة لفتح الأقفال التي تتوالد عبر هذا الفضاء المفتوح، وتسعى لإغلاق منافذ الوعي بالذات والآخر وبالحاضر والمستقبل.

أخبار ذات صلة

رسائل إليهم
مركز غميقة يفتقر للخدمات
وزير الخارجية يلتقي نظيره الفرنسي
سفير خادم الحرمين لدى لبنان يلتقي سليمان وجعجع
;
ماكرون يقترح «شراكة» بين أوروبا وتركيا
واشنطن تجمد مساعدات لباكستان بقيمة 1,9 مليار دولار
المؤذن بصنوي: رفع نداء الصلاة من المكبرية شرف توارثناه منذ 300 عام
علماء وخبراء: «اعتدال» حرب عالمية ناعمة على الإرهاب بروح سعودية
;
ذاكر نايك - التهمة الخالدة والمتهم الجديد
أستراليا: دعوة مجموعتين معاديتين للإسلام لحضور لقاء للتعريف بالدين الإسلامي
الحملة الوطنية السعودية تؤمِّن 10 آلاف سلة غذائية للاجئين السوريين بالأردن خلال شهر رمضان
كاتب عربي يكشف عن عجز أجهزة استخبارات أوروبا عن مواجهة خلايا داعش
;
داعش.. تدريس الحساب بنماذج عن الرصاص والمتفجرات لقتل الكفار !!
علياء.. مانحة الألقاب
جهودٌ في خِدْمَةِ الفصحى
كلية الأمير محمد بن سلمان: وشائج منهجيّة لصناعة القادة (1)