سعد العوفي يطلق «البلبل الأسير» ورفيقه

سعد العوفي يطلق «البلبل الأسير» ورفيقه
وقف الشاعر السعودي سعد سعيد العوفي جلّ تجربته الشعريّة في دواوينه الثلاثة: ملاحم الشّرف (1405هـ) وبيد أخي قتلت (1407) وبركان الغضب (1409هـ) على عذابات الإنسان المعاصر وجراحاته في أصقاع المعمورة، إذ وقف طويلًا أمام القضيّة الفلسطينيّة (قضيّة المسلمين الأولى)، ثمّ أحداث لبنان المؤسفة، مرورًا بمآسي المسلمين في بورما وأريتريا وأفغانستان وجنوب السّودان، وامتدّ الشّاعر بقلبه ولسانه إلى قضايا إنسانيّة عالميّة أخرى كالتّمييز العنصريّ في جنوب أفريقيا، وحروب فيتنام والفلبّين وغيرها.

وكان الشاعر يتناول هذه القضايا بقلب نازف، وأحرف ملتهبة، ولغة قاسية، ورؤى متشائمة؛ متعجّبًا من تناقضات إنسان اليوم ؛ بين الدّعاوى المنمّقة والواقع الأليم.


وظلّ قراء الشاعر العوفي ومحبوه في انتظار أن يجود بنشر الجانب الآخر من تجربته: الذاتي، والاجتماعي، واليومي، فكان يتلكّأ ويسوّف، حتى سمح -أخيرًا- بالإفراج عن تلك الأشعار -التي يراها لا تمثّل همّه الأوّل- فكان أن صدر له ديوانان في آن معًا -هذا العام 1440هـ- وهما «البلبل الأسير» و»على مدارج الزمن».

وأوّل ما يلفت النّظر في هذين الديوانين هو عنونتهما بما يوحي بإحساس الشاعر بثقل الزمن وطول العمر، فالشاعر -أطال الله بقاءه- قد أربى على التسعين؛ مع صدور ديوانيه هذين.


وعند النظر في نصوص الديوانين، وتأمّلها؛ لا يظهر أن الشاعر رتّبها فيهما ترتيبًا دالًا، لا زمانيًّا، ولا موضوعيًا.

أقدم نصّ يواجهنا في هذين الديوانين كتبه الشاعر سنة (1363هـ) عندما كان عمره قرابة العشرين؛ بعنوان «وداعًا أمّي» وأمّه هذه (دار الأيتام) وهي مدرسة أهليّة أنشأها أحد المحسنين الهنود بالمدينة المنورة؛ تعلّم فيها الشاعر العلم والعمل، وبعد تخرّجه فيها عيّن معلّمًا في منطقة جازان، فقال مودّعًا:

أمّاه يا من حقّقت أحلامي

ومحا حنانك قسوة الأيّام

ونشلتني من وهدة البؤس الذي

نهشت ضراوتها نخاع عظامي

إلى أن يقول:

ولك السلام -أمّاه- إني راحل

في لجّة المجهول من أيّامي !

وأحدث نصّ كتبه الشاعر كان في سنة (1434هـ) في تهنئة إحدى حفيداته بزواجها بعنوان «زفاف رزان».

وبين هذين النصين أو العامين نثر الشاعر نصوصًا متعدّدة الموضوعات والمواقف: في رحلاته وتنقلاته للعمل في مدن شتّى من المملكة، وفي آلامه وآماله، وفي علاقاته اليوميّة مع الناس.

وكان لأولاده وأحفاده نصيب كبير من نصوصه الشعريّة: مداعبًا، وناصحًا، ومهنّئًا، ومحفّزًا إياهم لطلب العلم والمعالي.

ومن طريف تلك النّصوص قصيدة بعنوان (الأسماء) يحدّث فيها الشاعر أربعة من أحفاده كلّ منهم سُمّي باسم جدّه (سعد) فأخذ يحاورهم ويوصيهم بالعلم والعمل من أجل أمّتهم:

يا سعد، يا سعد، ويا سعد احذروا

أن تسلكوا مضمار سعد الشاعر

أحفادي الأبرار.. إنّ وصيّتي

أن تنهجوا نهجًا يخالف حاضري

وكان للشاعر تجربة طويلة مع الإبصار والعمى: العمليّات التي أجراها، مخاوفه منها، تناقص بصره شيئًا فشيئًا، حتى إذا فقد القدرة على القراءة -وما أقسى تلك اللحظة- ودّع كتبه وصحفه، ولم يبق له إلاّ المذياع سميرًا وأنيسًا:

أمس ودعتُ -يا صديقي- كتابي

وانطوى عهده الحبيب بياس

قد هجرتُ الكتاب وهو وفيّ

باسم الروض.. إنّما الدهر قاسي

وكان للشاعر تجربة أخرى أقسى وأشد مرارة مع الموت والفقد؛ فقد رزئ الشاعر بموت طائفة من أحبابه (منهم اثنان من أبنائه وثلاثة من أحفاده) !

قال من قصيدة بعنوان «دمعة على شقيقي الأكبر ـرحمه الله-»:

وددتُ لو أنّ داعيكم دعاني

فبعدكم انتهت بيض الأماني

وكنتَ أبي.. وكنت النّاسَ طرًّا

ودرعي كلمّا خطب رماني

وإثر حادث مروري فاجع فقد الشاعر أحد أصهاره تاركًا وراءه ثلاثة أطفال صغار، كان أكبرهم في الرابعة، وكان هذا الصغير يحسّ بفقد أبيه، وينتظر عودته في كلّ آن ! فقال الشاعر مصوّرًا هذا الموقف:

يا من رحلت عن الوجودْ

فأنت في غيبة الأبدْ

غياب ليس له حدود

وأمر مولاك لا يُرد

ومن قصيدة (عديل الروح) يخاطب الشاعر حفيده الصغير الراحل بهذا الشجن:

عديل الروح عجّلت الرحيلا

وما عايشتنا إلاّ قليلا

وكنت لكلّ ذي قربى ضياءً

يضيء لكلّ مكرمة سبيلا

وللشاعر شغف شديد بالمكان، ترى ذلك في نصوص كثيرة تحدّث فيها عن مسقط رأسه، عن مدرسته الأولى،، عن جبال الحجاز، عن المدن الكثيرة التي عاش فيها. يقول شاعرنا من قصيدة بعنوان (قلت للأرض):

قلت للأرض كلامًا

عن شجوني ذات مرّهْ

فأجابتني بصمتٍ

مطبق أفهمت سرّهْ

ومن وراء تلك النصّوص تتسلّل نصوص أخرى تحمل قضيّة الشاعر الأولى وأمثولته الشعريّة الكبرى؛ أعني هموم الإنسان المعاصر، وشراسته ضدّ أخيه الإنسان!.

أخبار ذات صلة

انطلاق مبادرة الإذاعة المدرسية الموحدة من "تعليم نجران"
انطلاق مبادرة الإذاعة المدرسية الموحدة من "تعليم نجران"
"منارة الحرمين" منصة علمية للعلم الشرعي في المسجد الحرام
"منارة الحرمين" منصة علمية للعلم الشرعي في المسجد الحرام
متحف "تيم لاب بلا حدود" يفتتح في صيف 2024 بجدة التاريخية
متحف "تيم لاب بلا حدود" يفتتح في صيف 2024 بجدة التاريخية
رحيل برنارد هيل.. نجم "مملكة الخواتم"
رحيل برنارد هيل.. نجم "مملكة الخواتم"
;
مجمع الملك سلمان للغة العربية يُنظم مؤتمر حول "تحديات وآفاق تعليم اللغة العربية وآدابها"
مجمع الملك سلمان للغة العربية يُنظم مؤتمر حول "تحديات وآفاق تعليم اللغة العربية وآدابها"
بالفيديو.. الفنان عبادي الجوهر يوجه كلمة لفنان العرب محمد عبده
أمير الرياض يحضر افتتاح مؤتمر "المروية العربية"
أمير الرياض يحضر افتتاح مؤتمر "المروية العربية"
"جودة الحياة" يرعى اتفاقية لتطوير التجارب الثقافية والفنية
"جودة الحياة" يرعى اتفاقية لتطوير التجارب الثقافية والفنية
;
بعد 10 عروض شهدت حضوراً واسعاً.. اختتام أوبرا "زرقاء اليمامة" في الرياض
بعد 10 عروض شهدت حضوراً واسعاً.. اختتام أوبرا "زرقاء اليمامة" في الرياض
"إثراء" يستعرض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام
"إثراء" يستعرض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام
(60) طالبًا وطالبة ينتجون (100) عمل فني في "الجاكرندا" بأبها
(60) طالبًا وطالبة ينتجون (100) عمل فني في "الجاكرندا" بأبها
"فنون العمارة" تحتفي بـ"يوم التصميم العالمي" في الخبر
"فنون العمارة" تحتفي بـ"يوم التصميم العالمي" في الخبر
;
أمير المنطقة الشرقية يستقبل أعضاء الجمعية السعودية لكتاب الرأي
أمير المنطقة الشرقية يستقبل أعضاء الجمعية السعودية لكتاب الرأي
مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تُثري مهرجان أفلام السعودية ببرامجها ودعمها للمواهب
مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تُثري مهرجان أفلام السعودية ببرامجها ودعمها للمواهب
"موهبة" ومنصة "أعناب" توقعان مذكرة تعاون بهدف تقديم عدد من الدورات التدريبية
"موهبة" ومنصة "أعناب" توقعان مذكرة تعاون بهدف تقديم عدد من الدورات التدريبية
مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق جولتها القرائية الخامسة في المحافظات والمراكز
مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق جولتها القرائية الخامسة في المحافظات والمراكز