Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بين حياة سندي ودعاء بيومي

لعل عنوان المقال يحمل نوعاً من الغرابة التي تدفع إلى التساؤل عن الهدف من هذه المقارنة، خاصة بين شخصية باتت معروفة في المجتمع الغربي قبل المجتمع العربي والمحلي، إنها العالمة السعودية د.

A A
لعل عنوان المقال يحمل نوعاً من الغرابة التي تدفع إلى التساؤل عن الهدف من هذه المقارنة، خاصة بين شخصية باتت معروفة في المجتمع الغربي قبل المجتمع العربي والمحلي، إنها العالمة السعودية د. حياة سندي التي تحدّثت عنها في مقالي السابق وبين شخصية (دعاء بيومي) وهي شخصية مجهولة بالنسبة للقراء، دعاء بيومي باختصار هي طالبة سعودية من أسرة متوسطة الحال، اتخذتها نموذجاً للطموح والنجاح المؤوود. أنا أتحدث عن هذه الشخصية لأنني أعرف مدى طموحها واجتهادها وحبها للعلم والساعات التي تقضيها في البحث والتحصيل، والهدف من هذا المقال هو إظهار عدم وعي نظامنا التعليمي بكيفية استثمار الطاقات والموارد البشرية، في حين أنه يطنطن في جميع المحافل والمؤتمرات بأن أفضل استثمار هو استثمار الفرد، وأن هذا هو هدفه، ورؤيته المستقبلية. المقارنة بين نموذج د. حياة سندي ونموذج دعاء بيومي، هو مثال حي يثبت لنا التخبط الذي يعيشه واقعنا التعليمي، والهدر الكبير للطاقات البشرية لعدم وعيه بالفرق بين سياسة الغربلة وسياسة التنمية وأثر ذلك على إنتاجية الوطن.حياة سندي كانت تحلم بأن تدرس علم الأدوية، وكانت لديها رغبة وطموح وبذل جهد، هذه المقومات تمتلكها دعاء التي هي نموذج لكثير من طلابنا وطالباتنا غير أن د. حياة سندي التي كانت لديها إمكانات متواضعة في اللغة الإنجليزية والشهادة الثانوية مقارنة بالشهادة البريطانية، أعطيت الفرصة لتحسين إمكاناتها في ظل نظام تعليمي يؤمن بتطوير الفرد لا بغربلته بغربال بلا قاعدة. هذا النظام التعليمي المتطور أهدى للإنسانية عالمة مسلمة من بين 15 عالماً سوف يغيرون العالم بأبحاثهم، ولعل، قصة نجاحها التي باتت ترويها في كل محفل وما تتضمنه من رسائل صريحة للنظم التعليمية التي لم تعِ بعد كيفية استثمار الفرد، هي ما ستغير به العالم، من خلال حثه على تغيير نمطه التعليمي الدكتاتوري. أمّا دعاء بيومي، النموذج الآخر، فقد كانت مجتهدة منذ نعومة أظفارها، ومن المتفوقات المشهود لهن بحسن السيرة والسلوك، إضافة إلى أنها تحمل أحلاماً عظيمة في أن تكون عالمة في أحد المجالات الطبية، وخاصة صناعة الأطراف وبما أنها تملك حساً مرهفاً، بقدرات فنية عالية، فكانت لها رغبة أخرى جعلتها خياراً ثانياً إن لم تتحقق رغبتها الأولى بسبب الظروف والإمكانات، وهي أن تكون مهندسة ديكور، فهي تؤمن بتأطير الأحلام ودراسة الواقع حتى لا تُصاب بالفشل. تخرجت من الثانوية العامة بتقدير 95% من أفضل المدارس الأهلية بجدة المشهود بها بقدراتها التعليمية العالية والمتطورة،واصطدمت دعاء كغيرها بأول عراقيل أنظمتنا التعليمية، وهو نظام القدرات والتحصيل الذي لم يتدرب عليه طلبتنا في مناهج تعليمهم العام، ولم تقم عليه دروسهم وتطبيقاتهم منذ بداية تعليمهم.اجتازت دعاء هذا الامتحان، وقُبلت في الجامعة لتصطدم بعقبة أشد قسوة من سابقتها وهي السنة التحضيرية. التي أخذت بعض جامعاتنا في تدريس جميع موادها باللغة الإنجليزية، ونسيت أن طلبتنا الذين يتخرجون من الثانوية العامة ليس لديهم الحصيلة اللغوية الكافية التي تمكنهم من تلقي علوم الأحياء والكيمياء والفيزياء باللغة الإنجليزية، ولن يسد هذا النقص إعطاء ساعات مكثفة في اللغة الإنجليزية إذ هي متزامنة مع التحصيل العلمي، وليست سابقة له. فبعض جامعاتنا الأهلية التي تدرس باللغة الإنجليزية تعطي سنة أو أكثر في اللغة الإنجليزية حتى يجتاز الطالب المستوى المطلوب ، ثم يبدأ الدراسة الجامعية، وهذا ما يحصل لابنائنا المبتعثين في الخارج. أيضاً أما أن آخذ الطالب من المرحلة الثانوية في تعليمنا وأزج به لدراسة المواد باللغة الإنجليزية فهذا أمر لا يقبله عاقل. والعقبة التي هي أشد من سابقتها أن البنية التحتية لهذه السنة التحضيرية هي بنية هشة، فبعض أستاذات المواد غير متمكنات من توصيل المعلومة باللغة الإنجليزية فأصبحن كالمترجمات للمواد، فالمواد العلمية كالفيزياء والكيمياء تُقرأ على الطالبات قراءة غير واعية بالمضمون، إما من خلال القراءة النظرية المباشرة أو من خلال شاشات العرض الإلكترونية، بالله عليكم هل سمعتم في أي نظام تعليمي عن مواد المطالعة الكيميائية أو المطالعة الفيزيائية.. هذه المواد التي تحتاج إلى شرح وتفاعل مع الأستاذ وتحريك ذهن الطالب أصبحت مواد مخدرة للعقول. ما اضطر الأهالي إلى اللجوء للدروس الخصوصية. وثالثة الأثافي ذاك التصحيح الآلي للمواد الذي يتم في قسم الطلاب بعيداً عن إشراف أستاذة المادة وما يقع فيه من أخطاء، إلا إذا قيض الله أستاذة صاحبة ضمير تخاف الله وتتقيه، فتتحمل عناء مراجعة المسؤولين، لإرجاع الحق لأصحابه. وقد تأكدت من إمكانية وقوع هذا الخطأ حيث يتم التصحيح على غير النموذج الذي امتحنت عليه الطالبات. وأخيراً أقول: فبينما تألقت حياة سندي -ما شاء الله- في سماء العلم، واصبحت نجمة مضيئة للكون بفضل الله، ثم بفضل الأنظمة التعليمية التي تعترف فعلياً باستثمار الفرد، نجد دعاء بيومي -وأمثالها كثيرات- قد أجلت الدراسة حتى تفوق من صدمتها التعليمية لكنّها وعدت بأنها لن تستسلم وستعود متحدية كل هذه العقبات واضعة قصة د. حياة سندي مثالاً لها مع أملها في أن توفق في جامعة تؤمن بالمواهب وتنمية القدرات البشرية واستثمارها.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store