Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

رسالة إلى سمو وزير التربية

* منذ يومين نشرت الصحفُ خبرَ قيامِ سموّكم الكريم بزيارةٍ لإحدى مدارس جدة الرائدة. وقد توقفتُ أمامَ الخبرِ لأمرين، أولهما: كيف وصفتها الصحف بالمفاجئة، والعدسات، ومسؤولو التعليم كانوا في استقبالكم؟!

A A

* منذ يومين نشرت الصحفُ خبرَ قيامِ سموّكم الكريم بزيارةٍ لإحدى مدارس جدة الرائدة. وقد توقفتُ أمامَ الخبرِ لأمرين، أولهما: كيف وصفتها الصحف بالمفاجئة، والعدسات، ومسؤولو التعليم كانوا في استقبالكم؟! ولكني أعتقد أن كلمة مفاجئة ربما تكون اجتهادات صحفية جانبها الصواب!
الأمر الثاني: أن زيارات قيادات الوزارة تركّز دائمًا على المدارس النموذجية، ذات المواقع، والإمكانات المتميّزة. بينما لا تحظى مدارس الدرجات من الثانية إلى العاشرة بنفس الاهتمام، ولا أدري هل يتأفف كبار مسؤولي الوزارة عن الوصول إليها، أم أنهم لا يعلمون بوجود مدارس من هذا النوع؟!
* يا سمو الوزير: أكتبُ إليكم وأنا معلم أمضيتُ أكثر من عشرين عامًا في الميدان التربوي.
* أكتب إليكم، وأنا الأبُ الذي يدفع ثلث دخله الشهري رسومًا ليتعلم ثلاثة من أبنائي في مدارس أهلية؛ لأن مدارس الحي لا زالت مستأجرة، وتفتقر إلى أبسط مقومات البيئة المدرسية الجاذبة.
* أكتبُ إليكم وأنا المواطن الذي يثق أن مليكنا المفدّى اختار القويَّ الأمينَ لهذه المهمّة العظيمة، وأقسمتم عليها، وأنتم أهل لها.
* أكتبُ إليكم وأنا المتفائل الذي يتطلّع أن ينافس أبناء بلدي أقرانهم في الصين، واليابان، وكوريا، وماليزيا في الإبداع، والتميّز، والوطنية.
* أكتبُ إليكم وأنا الصحفيُّ الذي يتحسّس همومَ المجتمع، وينقل صوتهم ومعاناتهم بمصداقية إلى المسؤولين المخلصين أمثالكم.
* يا سمو الأمير لن أتحدث لكم اليوم عن المناهج، ولا عن إحباطات المعلمين، ولا عن الرعاية السلوكية، ولا عن مستوى المخرّجات.. ولا عن علل الإشراف التربوي، والمقاصف، والصحة المدرسية ولكن ... في الميدان مدارس نموذجية، وأخرى رائدة، وثالثة مطوّرة، ورابعة جاذبة، وخامسة ...، وعاشرة يتباين فيها الأداء، وتنقص وتزيد فيها الخدمات التعليمية واللوجستية وهي محور الحديث.
* في جدة، وبعض المدن بضع مدارس نموذجية، يقاتل الآباء من أجل تسجيل أبنائهم فيها، وهي لم تكن كذلك لو بقيت تحت رحمة الوزارة. ولكن هناك أسباب أخرى.
* هي نموذجية يا سمو الوزير؛ لأن بعض مديريها كانوا يستدينون من البنوك، ويتسوّلون الموسرين، والمعلّمين، ورجال الأعمال لدعمها.. نموذجية لأن البعض الآخر كانوا يفرضون رسومًا تصل إلى ثلاثة آلاف ريال عند التسجيل؛ بحجة توفير الأجهزة والوسائل، وإنشاء المظلات والمعامل، و(سرمكة) الفصول، وصيانة المكيفات، وطلاء الجدران، وتوفير أدوات وعمال النظافة.
* يا سمو الوزير حينما يتقدّم مستثمرٌ لافتتاح مدرسة أهلية تُفرض عليه مواصفات عالية الجودة، من حيث المساحات، والفصول، والمرافق: كالمسابح، والملاعب المزروعة، والعيادات الطبية، والحدائق.. في حين لا نجد مثل هذه الأساسيات في المباني الحكومية التي يتم افتتاحها، أو تشييدها حديثًا في ذات الأحياء، رغم أن كلفة الطالب في «الحكومية» تتجاوز ضعف الأهلية، وكذلك الحال في تكلفة البناء والتجهيز.
* يا طويل العمر: أقترحُ عليكم أن تخصصوا يومًا كاملاً من وقتكم الثمين تبدأونه مبكرًا بحضور الطابور الصباحي في إحدى مدارس جنوب جدة، في حي غليل، أو الصحيفة، أو السبيل، أو مدائن الفهد.. ثم تتّجهون لحضور الفسحة في إحدى مدارس ك 14، أو أم السلم، أو المتنزهات، أو الروابي.. أمّا صلاة الظهر فمن المناسب أداؤها في إحدى مدارس قويزة، أو بني مالك، أو الحرازات.. سترى بعينيك مستوى البيئات التي يصطف فيها أبناؤكم الطلاب للطابور، ويتناولون فيها طعام الإفطار، ويصلّون بها، وستتفاجأون بمستوى النظافة، وأصوات المكيفات، وحال دورات المياه، وغرف المعلمين.. ستقفون على بيئات حتى في «الحكومية» تبعث على الكآبة، تقتل الطموح والإبداع لدى المعلّمين والطلاب. وهي نماذج ليست في جدة وحسب، لكنها في الشمال، والجنوب، والوسط، والغرب، والشرق.. في مدارس البنين والبنات على حد سواء.
وأجزم أنكم ستغيّرون كثيرًا من أهداف وبرامج خطّتكم الإستراتيجية الجديدة، بعد الجولة.
* سمو الوزير من حق أبنائكم وبناتكم على الوزارة أن تكون مدارسهم جميعها رائدة، ونموذجية، ومثل مجمع النور، وأن تحقق لهم العدالة في الحصول على الحد الأعلى من الجودة في الأداء، وتوفير البيئات المناسبة طالما أن حكومتهم تنفق أكثر من ثلث ميزانيتها على التعليم.
* هذه رسالة من محب، أرجو أن يتّسع لها صدر سموكم، مع يقيني أنكم تعملون بإخلاص، لكنها تركة متخمة بالأخطاء والتراكمات. أعانكم الله، وسدد خطاكم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store