Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المرأة رائدة عصر الأنوار السعودي

حين تحصل السيدة لمى السليمان على المركز الثاني من حيث عدد الاصوات، وبفارق ضئيل عن سابقها الرجل في انتخابات الغرفة التجارية بجدة مؤخراً، وفي حضور العديد من رموز الحركة التجارية العريقة، وفي مجتمع يسيطر فيه الرجل على مقاليد كل شيء، فهذا امر يستحق منا ليس الاعجاب وحسب، وانما العزم على تغيير رؤيتنا كمجتمع ذكوري بشكل عام لكثير من ال

A A
حين تحصل السيدة لمى السليمان على المركز الثاني من حيث عدد الاصوات، وبفارق ضئيل عن سابقها الرجل في انتخابات الغرفة التجارية بجدة مؤخراً، وفي حضور العديد من رموز الحركة التجارية العريقة، وفي مجتمع يسيطر فيه الرجل على مقاليد كل شيء، فهذا امر يستحق منا ليس الاعجاب وحسب، وانما العزم على تغيير رؤيتنا كمجتمع ذكوري بشكل عام لكثير من الظواهر الحياتية المعاشة، والافكار التاريخية الجامدة، ازاء الشقيق الاخر في الحياة بحسب وصف سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال: “النساء شقائق الرجال”. وجب علينا ايضاً كشف كل التشوهات التي جثمت على اذهاننا خلال الفترة الماضية، نتيجة لسيطرة فكر الوصاية على طبيعة تكويننا، وفرضه نمطاً واحداً مقدساً لشكل علاقاتنا الاجتماعية، وفق ما يتصوره انه ديني، بناء على فهمه هو، وانطلاقاً من موروثه الاجتماعي والبيئي والعلمي الخاص، مما اوقع مجتمعاتنا في حالة من التباعد والجفاء من جهة، وبذر في اركانه بذرة التشدد والتطرف، الذي كانت له نتائجه الوخيمة، ليس على الصعيد الامني وحسب، وانما على الصعيد الثقافي والمعرفي كذلك، الامر الذي ما كان ليحدث لو بقي مجتمعنا على سليقته الدينية السليمة، وحافظ ابناؤه على خصيصة تكوينهم العقلي، الذي كان سمة من سمات عصر الازدهار والتنوير في بعض مفاصل تاريخنا المجيد. في تلك العصور المزدهرة لم يفتئت احد على احد، ولم يتم اقصاء جنس على جنس، بل سارت الحياة بشكل متوازن، وعاش المجتمع نمطا سلوكيا سليما، لا ازدراء فيه لجنس الانثى في مقابل الرجل، ولا فوقية فيه لجنس الرجل دوناً عن المرأة، الا بما فضل الله به بعضهم على بعض، وكان من جراء ذلك ان تنشأ الابناء ذكورا واناثاً ضمن اجواء صحية من الناحية الاجتماعية والنفسية، وهو ما انعكس ايجاباً على تلك الحقبة بوجه او باخر. وبرزت ملامح ذلك في الكثير من الظواهر الحياتية والانسانية والعلمية التي عاشها سكان حواضر الاندلس على سبيل المثال، مقارنة بقرنائهم من افراد المجتمع الاوروبي، الذي ترسخ في اذهانهم فكرة احتقار المرأة بسبب توراتي بغيض، جعل منها مرجع الخطيئة الاولى، لكونها نابتاً من ضلع اعوج بحسب زعمهم الديني، ولهذا استحقت ان تكون من سقط المتاع. غير ان هذه النظرة البئيسة سرعان ما تبدلت مع اطلالة عصر الانوار في اوروبا، التي اخذت على عاتقها مهمة التحرر من القوالب الكنسية الجامدة، ونفض كثير من الافكار التاريخية المشوهة، وتصحيح طبيعة الحياة الاجتماعية بما يتناسب مع القواعد الكلية للحقوق الانسانية المتفق عليها بشرياً، لتأخذ المرأة من حينه وضعها الطبيعي في اطار المجتمع الانساني لديهم، وتصبح فاعلة بشكل ايجابي ضمن اطاراتها العملية. واليوم ونحن اذ نتأمل تجربتهم التجديدية بإعجاب، لنأمل ان تعيش مجتمعاتنا العربية نهضة مماثلة، تعمل على تحرير اذهاننا من قوالب المفاهيم الجامدة، التي جثمت على صدورنا فترة طويلة من الزمن، واذا كان عصر الانوار الاوروبي قد اهتم بتحرير الذهن من قيود التفكير والتأمل، التي فرضها رجال الكنيسة على طبيعة البحث العلمي، وعمل في المقابل على تشجيع البحث عن سؤال الحيرة بحسب تعبير علماء المنطق، فانه وتزامناً مع ذلك قد حرص على تحرير طبيعة العلاقات الاجتماعية من ذهنيات الفكر الديني الجامد، وعمل رواده على اعادة التوازن الانساني بين قطبي المجتمع، وهو الامر ذاته الذي تنبه الى اهميته رواد عصر النهضة العربية ابتداء برفاعة باشا الطهطاوي، ومروراً بالشيخ محمد عبده، ووصولاً الى الكثير من الكتابات المعاصرة التي اكدت على اهمية الاهتمام بقطبي المجتمع بشكل متوازن، لصنع نهضة حياتية كاملة للمجتمع. وهو ما لم يتحقق بشكل كلي ضمن اطار مجتمعنا العربي، مما شكل احد العوائق الجوهرية امام حركة النهضة والتطوير، باعتبار ان حركية بناء التحديث تعتمد اساساً على مدى حركية البناء الذهني للمجتمع، ومدى تحرره من مختلف القيود الذاتية، وخفوت درجة الأنا الذكورية بوجه عام، وهو ما وضح في انتخابات مجلس ادارة الغرفة التجارية الاخيرة، الامر الذي يبشر بامكانية ولوجنا الفعلي ضمن اطار مجتمعنا السعودي على وجه الخصوص، الى عوالم عصر الانوار. فهل يحق لنا ان نستبشر بذلك؟ .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store