Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الاستقرار السياسي في حياة الشعوب

يشكل الاستقرار السياسي في حياة الشعوب حجر الزاوية، الذي بدونه يتعذَّر تحقيق أمور كثيرة في مسيرتها على كل الجبهات السياسية، والاقتصادية، والتنموية بصفة عامة.

A A
يشكل الاستقرار السياسي في حياة الشعوب حجر الزاوية، الذي بدونه يتعذَّر تحقيق أمور كثيرة في مسيرتها على كل الجبهات السياسية، والاقتصادية، والتنموية بصفة عامة. والأمثلة على ذلك جلية في ممارسات الدول المتقدمة في أوروبا الغربية، وشمال أمريكا ذات الأنظمة المستقرة التي خرجت من رحم حروب أهلية وصراعات إقليمية تعلمت الشعوب من خلالها؛ بأن الاحتكام للقوة ليس الطريق الأمثل لحياة كريمة ومستقرة، تعتمد على العدل والمساواة والحرية واستثمار الثروات للنهوض بمستوى المعيشة، وتأسيس البني التحتية التي تتوارثها الأجيال وتبني عليها للأجيال التي تليها.
بهذه المقدمة نستعرض بعض الجوانب التي أدت إلى الاحتقان في بعض الأقطار العربية، وأدت إلى إسقاط أنظمة بسبب المعاناة وافتقاد العدل، وتدني الأحوال المعيشية، وارتفاع معدلات البطالة بين عامة الشعب.. بينما تنعم قلة متنفّذة استأثرت بالسلطة، وشكلت طبقة مانعة بين القيادات والشعب، للحفاظ على امتيازاتها على حساب الأغلبية.
والاستقرار في أغلب الحالات نسبي.. إلا أن النظم السياسية المتقدمة بنيت على نهج مؤسساتي به من الضوابط ما يضمن التصحيح الذاتي.. ويفتح باب المشاركة الواسعة في الحوار الوطني، حتى تتضح الرؤى وتكون أقرب للشمولية منها إلى آراء الأقلية.. في الوقت الذي تفتقد النظم المغلقة لاستشراف الاحتياجات حسب معايير تحظى بالقبول لأنها تعكس آراء الأغلبية، وليست إقصائية في توجهاتها.
والإنسان بطبعه معرض للعناد، وحب السيطرة، والميول الذاتي، ورغبة الاستمرارية الطويلة في موقع السلطة.. وهذا يخلق له جوًا من الرضا والراحة والمميزات بحيث يصعب عليه مع طول الزمن التخلي عنها .. وما نشاهده من تشبث بالسلطة في بعض الدول التي قررت الأغلبية من شعوبها الخروج على طاعة السلطة ومطالبتها بالرحيل خير شاهد على ذلك.
ومن شروط الاستقرار الحقيقي للشعوب ضمان المشاركة الواسعة التي تشمل عامة فئات الشعب بدون تمييز أو إقصاء متعمد لصالح فئة على حساب الفئات الأخرى.. على أن تكون المشاركة مبنية على نهج مؤسساتي يمكن الصغير والكبير من حقوق وواجبات المواطنة التي بدونها يصعب على أي نظام مهما كانت قوته القمعية من الاستمرار في السيطرة وضمان الأمن والاستقرار.
ومن بين الشروط أيضًا.. أن يكون هناك آليات للمحاسبة.. واستقصاء الحقائق.. وتداول السلطة وليس احتكارها من قِبَل حزب واحد، ولوائح حاكمة متاح الاطلاع عليها والمشاركة حتى في صياغتها والمطالبة بتعديلها عندما تصبح غير ملائمة للاستجابة لمقتضيات الحاجة التي تفرضها التطورات التقنية ووسائل العصر الذي يعيشه المجتمع.
كما أن العناية بالتعليم والصحة، والبنية التحتية للمدن ومواصلاتها ليس قرارًا فرديًا بل هو شأن مجتمعي يجب أن يكون محل نقاش ومداولات موسعة.. تشارك فيه هيئات منتخبة تجري حوارات موسعة أيضًا، حتى تستوفى كل معطياته، ويصل إلى مرحلة النضوج بأكبر قدر من الرضا والقبول لدى عامة الشعب.
وإدارة شؤون المجتمع هي -بدون منازع- فن من فنون الإدارة والفعل السياسي العام.. ولهذا يجري الحديث عن الاستقرار السياسي، لأن السياسة تتحكم في كل مفاصل الشؤون الاجتماعية ومتطلباتها.. وليست مجرد إدارة فوقية للشأن الداخلي.. أو وسيلة تعامل تابع مع الخارج.. وحتى ذلك التعامل ينبغي -بل يجب- أن ينطلق من المصالح الوطنية.. وتبنى قراراته في إطار الاستراتيجية العامة للمجتمع لضمان الأمن والاستقرار.. وعندما تحيد السلطة -أيا كانت- عن ذلك فإنها تخل بالعقد بينها وبين عامة المجتمع، ومن ثم تفقد أهليتها في تمثيله.
إن مفهوم الأبوية الذي اتبعته الأنظمة المطالبة بالرحيل بحجة أنها تعرف الأحسن وهي التي تستطيع المحافظة على الاستقرار السياسي.. وأن الانفلات سيعم وتسود الفتنة بعد رحيلها كل ذلك أصبح عملة بائرة في الوقت الراهن الذي انتشرت فيه وسائل الاتصال الآني وأصبحت الأحداث تعرض في كل بيت بالصوت والصورة حتى أصبح القتل والحرمان من أجل الاستقرار هو أكبر ما يُهدِّد الأمن والاستقرار في العالم.
إن الإقصاء واختزال الأغلبية في عباءة فئة قليلة أو حزب واحد.. لم يعد بديلا مقبولا عن مشاركة حقيقية مبنية على مفاهيم مؤسساتية تضمن الحقوق والواجبات للجميع.. وبقدر ما تكون الجبهة الداخلية متماسكة، بقدر ما تستطيع مواجهة تحديات تغيير الواقع السياسي بأقل قدر من التكلفة.. والله من وراء القصد.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة