Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مثالية المثقفين في مأزق الانتخابات الأدبية

ظلت المثالية لدى بعض المثقفين مطلبًا مُلِحًّا، فهم ما انفكوا ينزعون إليها ويخطبون ودها ويلبسون لبوسها. مثالية بعض المثقفين نجدها في منثور كلامهم وموزون أشعارهم وعلى منابرهم الثقافية.

A A

ظلت المثالية لدى بعض المثقفين مطلبًا مُلِحًّا، فهم ما انفكوا ينزعون إليها ويخطبون ودها ويلبسون لبوسها. مثالية بعض المثقفين نجدها في منثور كلامهم وموزون أشعارهم وعلى منابرهم الثقافية. إشكالية بعض المثقفين أنهم يريدون من الآخرين أن يكونوا مثاليين في سلوكياتهم وتعاملاتهم، وتبقى مهمتهم هم محصورة في التنظير والتقعيد لمبادئ المثالية وتصديرها للآخرين. بالأمس اُختُتمت عملية انتخاب مجالس الأندية الأدبية التي انطلقت من نادي مكة الثقافي الأدبي وحطت رحالها في نادي الطائف الأدبي الثقافي، وخلال تلك الفترة عشنا تحولات عديدة على المشهد الثقافي من قِبل بعض الرموز الثقافية، فهناك من ارتأى أن يتنحى عن العملية الانتخابية برمتها، مفسحًا الطريق لغيره من الأجيال الشابة المتوثبة؛ كونه قدَّم كل ما لديه، وجاء الوقت الذي يُسلِّم فيه الراية لغيره. وهناك من ارتأى أن يخوض العملية الانتخابية والأمر لديه سيان حظي أو لم يحظَ بالترشيح. وهناك من خاض العملية الانتخابية واضعًا في مخيلته أنه الراعي الرسمي، والحارس الأمين لهذه المؤسسة الثقافية، ويرى بعين بصيرته أن هذه المؤسسة الثقافية لن تقوم لها قائمة ما لم يكن ربانها أو أحد سدنتها؛ عطفًا على تاريخه الذي يشهد بمنجزه طوال مسيرة تلك المؤسسة. وهناك من خاض العملية الانتخابية بهدف حمايتها –حسب ظنه- من فئة ليس لها صلة بالأدب والثقافة، حتى قال قائلهم إن الأندية الأدبية خُطِفت من أيدينا وأمامنا بالقوة، وتساءل آخر كيف يتم تسليم النادي لأشخاص يُخشَى عليه منهم ويكون له الأثر السلبي فيما بعد؟! وبالمقابل خاض آخرون الانتخابات تحت مبرر الخوف على الأندية من تيار يسعى لتغريبها! ما يمكن الإشارة إليه خلال مسيرة الانتخابات هو ظاهرة (تَخلِّي) بعض الرموز الثقافية -التي طالما تزيَّت بالمثالية وبمبادئها البراقة- عن تلك المبادئ والمثل ساعةَ فَقْدهم لعضوية مجلس إدارة النادي، حينما لم يحصلوا على الأصوات التي تؤهلهم ليكونوا ضمن منظومة مجلس إدارته. مثالية المثقف -المفترضة- تتبدَّى في الإقرار بحق المرشَّح في عضوية مجالس الأندية الأدبية وفق اللائحة المُقرَّة من قِبل الوزارة، واحترام حقه في التصويت لمن يشاء، واحترام حريته في اختيار مَن يشاء في الجلسة الخاصة. علمًا أن هذه المُثُل تندرج تحت منظومة المبادئ التي تبشر بها الليبرالية، كالحرية واحترام حقوق الآخرين التي يتجمَّل بها بعض المثقفين. لكن الذي اتضح أن ما كل مَن بشَّر بتيار جديد أنه مؤمن بمبادئه إيمانًا لا يتزحزح تحت أي ظرف. لا أجد مبررًا لحملات التشكيك التي طالت بعض المرشَّحين الجدد الذين نالوا أكثرية الأصوات؛ كون اللائحة خرجت من أروقة وزارة الثقافة والإعلام ووفق اشتراطاتها، وتم التضييق في الاشتراطات حتى أصبحت أضيق من سَم الخياط، ومع هذا دلف عبر مضيقها جمع انطبقت عليهم تلك الاشتراطات. وعلى هذا فلا بد من الرضا والقبول بالنتائج -حتى ولو لم تأتِ على ما يتمنى المرشَّح- بدلاً من القدح والمرافعات؛ كون اللائحة صُنعت على أعين بعض رؤساء الأندية الأدبية، ومن ثم أشرفت لجنة الانتخابات على سير العملية الانتخابية. الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان هو أن هناك (تكتلات) حدثت قبل عملية الانتخابات، هذه التكتلات لا تحدث -في العادة- بناءً على كفاءة المرشَّح بل تحدث استجابة لمؤثرات طائفية أو قَبَلية أو مناطقية، وأحيانًا بطريقة شراء الذِّمم. ولو أن هذه التكتلات تتجه (لمن يستحقها) فلا ضير في ذلك، لكنها تتجه أحيانًا لغير مستحقيها تحت ضغط تلك المؤثرات، ومع هذا فلا يعني وجود التكتلات بطلانَ العملية الانتخابية، حتى وإن حذرت منها الوزارة؛ لأنه لا سبيل لمنعها كما ذكر الدكتور الغذامي، اللهم إلا أن يصل المجتمع لدرجة من الوعي الذي ينأى به عن هذه التكتلات. ومع كل هذه الآراء المتباينة، وكل هذه الضوضاء حول نتائج الانتخابات إلا أن المنطق يفرض على الجميع الرضا والقبول بالنتائج، والمباركة للقادمين الجدد وعدم القدح في نواياهم وذممهم فهم الآن أمام مسؤولياتهم، ومطلوب منهم أن يفوا بما وعدوا، ومن الظلم أن نحكم على مستقبلهم في ضوء أمسهم بحجة أنهم لم يقدِّموا ما يشفع لهم بالانتساب لعضوية مجالس إدارات الأندية الأدبية، ونحن لا نعلم الظروف التي حالت دون بروزهم، وحالت دون غشيانهم الأندية الأدبية. وعلى الرافضين (للتغيير) ألا ينسوا تلك المُثُل التي طالما تغنوا بها واصطبغوا بصبغتها، فأضحت اليوم كـ(مكياج) سرعان ما ذاب تحت أشعة الانتخابات التي كشفت حقيقة تلك المثل. بقيت كلمة شكر باسمي ونيابة عن زملائي أعضاء مجلس إدارة اللجنة الثقافية بمحافظة القنفذة التابعة لنادي جدة الأدبي الثقافي موجهة لأعضاء مجلس إدارة نادي جدة الثقافي الأدبي في دورته المنصرمة وعلى رأسهم رئيس النادي الدكتور (عبدالمحسن القحطاني)، والمشرف على اللجنة الدكتور (يوسف العارف) وبقية أعضاء المجلس الذين دعموا اللجنة بكل جهد. في الوقت نفسه نهنئ الإدارة الجديدة متمنين لها التوفيق ومواصلة المسيرة الثرية لنادي جدة الأدبي الثقافي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store