Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الشيخ عمر بادحدح.. وعناوين العطاء

في مجتمعنا أئمة، وأكابر، ووجهاء، وعلماء، كانوا السفراء الحقيقيين، والممثلين للقيم الإسلامية العليا. كيف لا.. وبلادنا هي أرض الحرمين، ومصطاف السيّاح، والزوّار.

A A
في مجتمعنا أئمة، وأكابر، ووجهاء، وعلماء، كانوا السفراء الحقيقيين، والممثلين للقيم الإسلامية العليا. كيف لا.. وبلادنا هي أرض الحرمين، ومصطاف السيّاح، والزوّار.
إلاَّ أن اللافت أن يكون هؤلاء (موردًا) حقيقيًّا للعطاء الذي لا يقف، والمورد الذي لا يجف، وكأنهم المعنيون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الحسن: «أمتي كالمطر».
ومن سفراء العطاء في بلادنا، بل وفي ريادتهم القرن الماضي، الشيخ الفاضل: عمر السبيع بادحدح، الذي وافته المنيَّة عصر يوم الأحد 17/1/1433هـ.
وأذكر له موقفًا بعيدًا، وآخرَ قريبًا. أمّا الموقف البعيد فقبل حوالى خمسة عشر عامًَا، عندما كنتُ في منزل جارنا الشيخ الداعية د. أحمد بن عبدالعزيز الحمدان -شافاه الله-، ننتظر قدوم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-، بعد إلقائه درسًا في مسجد الملك سعود بجدة. وعند دخوله المنزل كان العم (عمر بادحدح) جالسًا ينتظره، وعند قرب الشيخ (بن باز) من المجلس، أتاه العم (عمر) للسلام عليه، لكني تعجبت من الشيخ سعيد الدعجاني -أحد الأعلام الكبار- وهو يُكبِر الشيخ بادحدح، قام وعرَّف الشيخ (بن باز) به، بل وذكَّره بجهده، وكان ممّا قال: إن الشيخ عمر بادحدح أحد الذين ساهموا في نشر الدعوة في منطقة الحجاز، وكانت شفاعته لمساعدة أهل الخير، ومدارس التعليم لا تنقطع للتجار (الحضارمة)، الذين وجدوا فيه المصداقية التامة، والثقة الكاملة.
إن هذا الموقف يجسِّد صورة مضيئة للسيرة العطرة التي فاح أريجها، وتناقلتها الألسن الصادقة.
وأمّا المشهد الآخر فقبل وفاته -رحمه الله- بأسبوعين تقريبًا، وجدته خارجًا من المسجد الذي بجوار منزله (على عربيته)، فسلَّمت عليه، وقبّلت رأسه، ودعوت له، فقال لي: نسأل الله حسن الخاتمة.
وقد كنت لحظة وفاته -رحمه الله- معلقًا بين السماء والأرض، في اتجاهي لإحدى البلاد العربية، وما إن فتحت هاتفي إلاّ ورسائل الجوال التي لم تهدأ، وأكثرها ممّن لا أعرفه، ينعى وفاته -رحمه الله-.
إنه بإمكاني الآن أن أسرد قصصًا كثيرة عن حياة هذا العلم الكبير. ولكنني سأكتفي بوضع عناوين بارزة، ومن ذلك: أن بيته كان (محضنًا)، و(محفلاً)، فهو (محضن) للتائهين والمعوزين، و(محفل) لرواد العلم والحضارة والمعرفة بكافة أطيافهم، من كل البلدان. وهذا دور قلَّ نظيره، إذ إن الأغلب سدَّ بابه، أو قَصَره على نوعية من الناس.
من ذلك: أن منزله كان مقصد ذوي الحاجات، من السجناء، إلى النازحين، إلى المقطوعين، حتى أن عددًا من الجاليات غير العربية في الحجاز، وجدت عنده ضالتها، واستغناءها به بعد الله.
ومن ذلك: (تربيته الأصيلة) التي يكفي لمعرفتها متابعة سير أبنائه، بل وبناته الذين هم في أرقى السلم الأكاديمي التعليمي، والعمل الإنساني، فأكبرهم (د. صالح، ود. محمد، ود. فاطمة، ود. علي) لا تخلو ساعات أيامهم من شفاعات، ومشروعات، في بلادهم أولاً، ثم في بلاد الله الواسعة. و(ببركة تربيته الأصيلة) أجرى الله على يد أولاده -ممّا سيعود له نفعه بإذن الله- أعمالاً، بل جبالاً من الخير، وأنهارًا من العطاء. وفوق ذلك من أسلوب (التربية الأصيلة) الجد والاجتهاد والقوة، التي اشتهر بها أبناؤه، والهيبة التي أحاطت بهم، وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء.
ومن صور عطائه: سفره المتواصل للشفاعة في أمور معضلة، لحل قضايا المسلمين، وإنهاء كثير من مشكلاتهم في شرق بلاد الله وغربها، كقصته العظيمة في بناء (القرى النموذجية) للاجئين الفلسطينيين بالأردن.
إنني كما قلت لو شئت لسردت قصصًا كثيرة معبِّرة، ولكنني وضعت بعض العناوين الكبرى التي يوضع تحتها عشرات، بل مئات القصص المؤثرة والنافعة، والتي تدل بمجموعها أنه كان سفيرًا للعلم، والخير، والوحدة، والتربية، وكلها عناوين ضمّها خُلقه الحسن، وعطاؤه الثر، وسيرته الصالحة، وسريرته النقية، ولا نزكّي على الله أحدًا.
وختامًا، فإن خبر وفاة الشيخ (عمر با دحدح) -رحمه الله- وذيوع خبره، ووقوف الناس الطويل لتعزية أهله، يذكّرني بأخبار الصالحين، الذين لا تموت أعمالهم الطيبة. فممّا قاله الحافظ ابن رجب عن وفاة شيخ الإسلام ابن تيمية: «وصُلِّي عليه صلاة الغائب في غالب بلاد الإسلام القريبة والبعيدة، حتى في اليمن والصين».
رحمك الله يا عم عمر، ورحم الله أيامك:
ساعات عمرك في الوجود سحائب
بالخير تهطل راكعًا أو ساجدًا
ولسوف يكتبك الزمان صحائفًا
ولسوف ينشرك الخلود قلائدًا
ali@4shbab.net
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store