Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ماليزيا تعود إلى الحرف العربي

تمسك المالويين عموماً، والماليزيين خصوصاً بانتماءاتهم الإسلامية أمر لا يختلف عليه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان كما قالت العرب.

A A
تمسك المالويين عموماً، والماليزيين خصوصاً بانتماءاتهم الإسلامية أمر لا يختلف عليه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان كما قالت العرب. ونهضة ماليزيا المذهلة خلال عشرين عاماً فقط من عمر الزمن، لم تكن في معزل عن التزامها الإسلامي، بل إنها ضربت مثلاً حياً على أن الأخذ بأسباب النهوض الحضاري والتقاني لا يلزم بالتخلي عن الدين ونفض غبار الأيديولوجيا كما يدعو إليه الكثير من كبار صغار العلمانيين في عالمنا العربي الغافل. إن صانع ماليزيا الحديثة وباني نهضتها الحديثة مهاتير محمد كان دائماً يقول: نحن بغنى عن التقدم إن تعارض مع ديننا وعقيدتنا وثوابتنا ولكن الواقع أن هذه جميعاً هي التي حققت لنا التقدم. كتبت مراراً وتكراراً في هذه الصحيفة الغراء عن التجربة الماليزية الغنية، وفي كل مرة أزور ماليزيا أرى أن هذه التجربة تزداد غنى وثراء، ومع كل تقدم في التقنية والحضارة، تحقق ماليزيا تقدماً آخر في التمسك بثوابتها الإسلامية، وتخطو خطوات في هذا الاتجاه تعجز كل الدول الإسلامية مجتمعة أن تخطوها. ما بين 4 إلى 6 من شهر المحرم لهذا العام 1431هـ، نظمت الجامعة الإسلامية بكوالالمبور مؤتمراً علمياً كبيراً شارك فيه علماء وأدباء من عشرات الدول الإسلامية وغيرها، نظم هذا المؤتمر قسم اللغة العربية التابع لكلية: «معارف الوحي» وللقارئ الكريم أن يتأمل في اسم هذه الكلية: «معارف الوحي» ليدرك أنه اسم متفرد بين جامعات الدنيا. وكما أن اسم الكلية إسلامي صرف فإن عنوان المؤتمر إسلامي صرف «إسلامية الدراسات الأدبية واللغوية وتطبيقاتها» والهدف منه ظاهر: أسلمة الدراسات اللغوية والأبجدية العربية بعلمية واحترافية ووسطية واعتدال، خلاف ما هو حاصل وقائم.قبيل حفل الافتتاح انعقدت الجلسة العلمية الأولى، وتحدث فيها باحثان من العالم العربي من بلدين جارين أحدهما في الشمال الشرقي لإفريقيا والآخر إلى الجنوب منه، وأقول بدون أي مبالغة إن هذين الأستاذين الجامعيين العربيين، لم تستقم لأي منهما جملة عربية واحدة وهما مختصان في الأدب واللغة لا نحواً ولا صرفاً ولا نطقاً ولا مخارج حروف، وبالطبع سمعنا كلمات مثل: «هازا ومازا وسُمَّ»، بدل: هذا وماذا وثم.. الخ. والأدهى والأمر أن أحدهما وكان بحثه عن بردة البوصيري حاول قراءة بيت واحد من البردة وتعثر فيه وقرأه بالطبع باللهجة المعروفة المهيمنة المسيطرة وورد في البيت كلمة «لَطيْبَةَ» فقرأها «لطيِبةٍ» ويبدو أنه لا يعلم أن طيبة اسم من أسماء المدينة المنورة. وهو المشتغل على بردة البوصيري، وبالطبع أثارت هذه التجاوزات اللغوية استياء وسخرية الحاضرين. ثم بدأ حفل الافتتاح بكلمات لكل من عميد كلية معارف الوحي وهو ماليزي بالطبع ورئيس الجامعة ومستشار رئيس الوزراء للشؤون الدينية، والمفترض أنهم جميعاً أعاجم كما نسميهم واستمعت الى كلمة العميد كاملة فلم ألحظ فيها خطأ لغوياً واحداً وكانت لكنته الأعجمية خفية جداً واستخدم عبارات لا يستخدمها إلا العرب الأقحاح مثل: «نشكر لضيوفنا المكرمين تجشمهم الصعاب وأنهم ضربوا لنا أكباد الإبل» ومعلوم أن أذنى ولله الحمد حساسة جداً للأخطاء اللغوية ولكنها لم تلتقط أي خطأ في كلمة العميد.ثم تحدث إلينا رئيس الجامعة ولغته العربية ضعيفة ولكنه حاول جهده أن يقرأ الكلمة بدقة ودون أخطاء ولكن بلكنة مالوية واضحة. ثم جاء دور مستشار رئيس الوزراء للشؤون الدينية وهو أستاذ جامعي سابق حاصل على لقب «داتو» وهو لقب علمي كبير، فشنف أسماعنا بكلمة ضافية رائعة ورغم لكنته المالوية الخفيفة، إلا أن لغته كانت سليمة وصحيحة وخالية من الأخطاء، وكان حديثه ماتعاً ومشوقاً ينضح بالحماسة لهذا الدين القويم، ولم يلبث أن زف لنا بشرى كبيرة حين قال: إن الحكومة الماليزية أصدرت قراراً هذا العام يقضي بأن يكون تعليم اللغة المالوية في المرحلة الابتدائية بالحروف العربية، ما يعني أن هذه الدولة الإسلامية الكريمة ستنفض عنها غبار الحروف اللاتينية التي تكتب بها لغتها الأم وستعود إلى الحرف العربي الذي كان سائداً في الملايو قبل عهود الاستعمار، كبر الجميع وهللوا لسماع هذا الخبر المدهش إذ يعتبر ذلك انقلاباً على التغريب، وتمنى الجميع لو أن دورلاً إسلامية كثيرة أخرى تحذو حذو ماليزيا كتركيا واندونيسيا. ما أعجب أن يتمسك الملاويون بلغتنا العربية الشريفة في الوقت الذي يدعو فيه الكثير من العرب إلى التحول إلى الإنجليزية في كل شؤون الحياة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store