Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

طول نخلة وعقل سخلة !!

جدتي لأمي يرحمها الله كانت «راعية غنم» من الطراز الأول ولم تكن تركن للفقيد جدي في إدارة حلالها بل كانت تنعته بالحماقة «كفاني الله علقة الأخوال وكرابيجهم» ووصفت خلال مراحل عمرها بالمرأة الفولاذية وهو

A A
جدتي لأمي يرحمها الله كانت «راعية غنم» من الطراز الأول ولم تكن تركن للفقيد جدي في إدارة حلالها بل كانت تنعته بالحماقة «كفاني الله علقة الأخوال وكرابيجهم» ووصفت خلال مراحل عمرها بالمرأة الفولاذية وهو لقب أزعم أنه سرق من نساء العرب، ولو أن الجدة على قيد الحياة لما سمحت لبنات الروم أن يسرقن لقبها.. ونعتها لجدي لم يكن من فراغ إذا بعثت به يوما إلى حراج الغنم ليبيع لها نعجة سمينة وما أن وصل بها إلى السوق حتى تلاقفه الباعة وساوموه عليها ويبدو أن بساطة الجد أوقعته في مطب المناقرة مع بعلته إذ باع النعجة «بعق سمن» وهو ما يعادل اليوم كيلو ونصف وعاد فرحا وكأنه قد ربح الضعف من فعلته وما أن وصل للبيت حتى أدلقته جدتي فوق رأسه قائلة.. «الطول طول نخلة والعقل عقل سخلة!!» مما دفع بجدي للانطوائية والانعزال عن الرعي والهجرة إلى المدينة للبحث عن وظيفة. وهو أمر بالغ الخطورة في عرفنا القروي، إذ يلجأ أغلب أبناء القرى اليوم للعمل في المدن تاركين خلفهم أسرا وأطفالا ومهنا يمكن الاستفادة منها فيما لو وجدت الدعم.. وحقيقة القول إن تنمية الأرياف وإيجاد الفرص المهنية لأبنائها يدعو للدارسة العاجلة وبحوث من جامعتنا تستوفي حقوق تلك الفئة.
فلقد أصبحت القرى شبه مهجورة من أبنائها بدواعي البحث عن لقمة العيش، بينما هناك الكثير من الفرص المهيأة لهم ومنها الفلاحة وتربية المواشي وهي الأساس الذي يعتمد عليه أبناء القرى، ولكن يبقى دعم الدولة لهم في القروض الميسرة مطلباً يحتاج إلى سرعة تنفيذ قبل أن يستوطن كافة أبناء الهجر والقرى للمدن المجاورة.. إن تنمية الأرياف والقرى قاعدة أساسية للقضاء على البطالة التي بدأت في التنامي والظهور العلني.. ولعل قرارات جدية بين الوزارات المعنية بالأمر قد تحل الكثير من القضايا العالقة للذين يستوطنون بعيدا عن قراهم وبدلا من أن يلجا أبناء الريف للعمل في مهن لا يفقهون منها سوى أنها وظيفة بلا طائل إنتاجي يستحسن إيجاد فرص حرفية لهم تساعدهم على تنمية مهاراتهم لتكون مصدر رزق ثابت وقوي تغنيهم عن الوظيفة.
وسامح الله جدي الذي باع غنماته الواحدة تلو الأخرى.
مما حدا بنا إلى الهجرة كغيرنا نحو عالم الصخب.. والفوضى.. وحياة المدنية.. واستبدلنا بعق السمن.. زبدة بني الروم وأكلنا الدقيق المستورد بدل الحنطة المحلية.. وأصبحت القرية ماضيا نخجل كثيرا من ذكره!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store