Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بناء الإنسان و الحريات و مؤسسات المجتمع المدني

لعل من أجلّ الأعمال العمل على بناء الإنسان بناءً صحيحاً ، لأن في ذلك سعادته و سعادة مجتمعه و الإنسانية بشكل عام.

A A
لعل من أجلّ الأعمال العمل على بناء الإنسان بناءً صحيحاً ، لأن في ذلك سعادته و سعادة مجتمعه و الإنسانية بشكل عام.
ولعل من أهم مكونات الخطة الإستراتيجية لمنطقة مكة المكرمة ذلك الشطر الأول من رؤية الإستراتيجية (بناء الإنسان و تنمية المكان) المتعلق ببناء الإنسان.
ولكن كيف يتم بناء الإنسان ؟ وبرغم أن السؤال كبير و زوايا النظر إلى بناء الإنسان ستختلف من شخص لآخر إلاّ أن من الواجب علينا إدارة حوار حول كيفية بناء الإنسان وما هي الركائز التي إن وضعنا أيدينا عليها سهل البناء و استوى على سوقه.
الإنسان كما هو معروف جسد و روح و عقل و لكل من هذه المكونات غذاء يبنيه ، و عليه فإننا في حاجة إلى تسهيل الغذاء النافع لكل مكوّن و إزالة أي معوقات تحول دون حصوله على هذا الغذاء النافع .
ولعلي أتجاوز غذاء الجسد و أتركه لأهل الاختصاص ، و أركز حديثي على غذاءي الروح و العقل و أتأمل مع القراء الكرام بعض ما أرى فيه تعويقاً للغذاء النافع لهما.
فعندما نتأمل جانب الحريات ، وبالأخص حرية التعبير عن الرأي بالوسائل المختلفة ، و التي هي من أهم مصادر غذاء الروح و العقل للإنسان و من أسس أي مشروع بناء له ، و هي التي تفسح المجال أمامه للتطور و التطوير و الإبداع. فهل يمكن أن يكون الإنسان مبنياً بناءً صحيحاً لو كان لا يملك حرية التعبير عن رأيه داخل مؤسسته ، و يظل مهدداً في أمنه النفسي كلما فكر في إبداء رأيه الذي يخالف رأي رئيسه ؟
و هل من لا يملك هذه الحرية و لديه شعور بالخوف من عواقب التعبير عن رأيه من رئيسه سيكون قادرا على ممارسة النقد البنّاء الذي نطالب به ؟ أو على تقديم الحلول لما ينتقده ؟ أو حتى ممارسة النقد لذاته و معالجة أخطائه ؟ أو على تقديم أفكار إبداعية لتطوير نفسه أو مجتمعه ؟
أليس الحد من الحريات داخل بعض المؤسسات سوف يؤدي إلى تنامي أعداد المطبلين و المنافقين الذين يرددون أمام رئيسهم ما يحب أن يسمعه هو فقط ؟ و بالتالي يصبحون نسخا مكررة للرئيس و يغيب بذلك الأثر الإيجابي لجمع العقول و الشورى و الحوار ؟ وهناك مقولة أنه لو تطابق رأي شخصين ضمن أي عمل جماعي فواحد منهما يكفي !!
ألا يؤدي غياب الرأي الآخر إلى الركود و الجمود و إلى تنامي المشكلات و تحول بعضها إلى معضلات ؟
أليس في تأطير الحريات داخل تلك المؤسسات تضييق على الطاقات المبدعة و الفعّالة في المجتمع ؟
ومن هنا أنتقل إلى مؤسسات المجتمع المدني التي هي ضمن القنوات الفعالة لتحقيق مبادئ الشورى و المشاركة ، و استثمار طاقات المجتمع -كما هي في العالم المتقدم تمثل أذرع تحقيق الديمقراطية- و التي لا زالت في بلادنا شبه مغيبة و لا تتواجد إلاّ في مجالات محدودة جداً مثل الغرف التجارية و الجمعيات الخيرية و الأندية الرياضية و غيرها ، و لا تتمتع بالاستقلالية الكافية فجميعها تخضع لبيروقراطية تجعل فعاليتها عند حدودها الدنيا.
والملاحظ أن النظام لا يزال يدور في ردهات الشورى منذ أكثر من خمس سنوات و لم يصدر حتى الآن برغم أهميته ، و خصوصاً في هذا الوقت الذي يموج العالم فيه بفرص التطوير ، فصدوره يعني إتاحة الفرصة للمجتمع المدني بأن يبدأ خطواته الأولى و يخوض تجربته الحقيقية في المشاركة في التنمية ، و يقوم بما عليه في بناء الإنسان و تنمية المجتمع و المكان ، و يعني اتاحة الفرصة لطاقات واعدة و مبدعة و كبيرة للمشاركة في معركتنا التنموية و التطويرية و الإصلاحية الكبرى.
و لذلك علينا أن نضع الأسس الراسخة للبناء الصحيح للإنسان و المتمثلة في توسيع دوائر الحرية و التعبير عن الرأي داخل المؤسسات ، و توفير مناخات و أجواء إيجابية محفزة على المشاركة و الإبداع ، و أن نشرع الأبواب لمؤسسات المجتمع المدني (المستقلة) لتقوم بأدوارها في المشاركة في البناء و التنمية و بغير ذلك ستفوتنا الفرص و سيـتسع البون بيننا و بين أمم العالم الأول..
و الله ولي التوفيق و هو المستعان.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store