Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حتى نحرر ثقافتنا من قيد النخبة المخملية

لا أشك في أن أنفُسَ كل المثقفين في وطننا العربي والمحلي من الماء إلى الماء ، تتمايل شوقا ورغبة ، لحضور مهرجان الكتاب العربي المنعقد حاليا بقاهرة المعز بمصر المحروسة ، ذلك المهرجان الذي يجد فيه العقل ضالته ، وتلتئم الروح المعرفية إلى نصيفها ، ويتلاقى فيه الأحبة بعد أن يظنان كل الظن ألا تلاقيا ، تلك هي أحوال المثقفين حين تنعقد معار

A A
لا أشك في أن أنفُسَ كل المثقفين في وطننا العربي والمحلي من الماء إلى الماء ، تتمايل شوقا ورغبة ، لحضور مهرجان الكتاب العربي المنعقد حاليا بقاهرة المعز بمصر المحروسة ، ذلك المهرجان الذي يجد فيه العقل ضالته ، وتلتئم الروح المعرفية إلى نصيفها ، ويتلاقى فيه الأحبة بعد أن يظنان كل الظن ألا تلاقيا ، تلك هي أحوال المثقفين حين تنعقد معارض الكتاب في أي مكان وأي زمان ، وذلك هو وَجْدَهم حتى ولو لم تسمح لهم الظروف بالحضور والاستمتاع بحلاوة اللقاء والمشاهدة على أقل تقدير ، وغالبا ما يأنس الكثير منهم إلى التمتع بحلاوة الحضور الوجداني عن الحضور الفيزيائي ، إذ ما أصعب العيش لولا فسحة الأمل . على أننا في المملكة لسنا ببعيدين عن إحياء مثل هذه الكرنفالات المعرفية ، فما مارسٌ عنا ببعيد ، وما الرياض الحبيبة بأبعد ، وإن كنا في غاية الشوق والأمل لأن يتجدد كرنفالنا المعرفي ، بإقامة معرض دولي للكتاب بمدينة جدة ، ولا أشك قطعا أن في ذلك تلبية لرغبات كثير من مثقفينا بوجه عام ، الذين تجذر في وجدانهم الذهني والقلبي ذلك الحب الأزلي للكتاب . لقد شكلت إقامة المعارض الدولية للكتاب ملمحا من ملامح ازدهار الحياة الثقافية لأي مجتمع ، ودلل نجاح أي منها على مدى تطوره ثقافيا ، ورقي أبنائه معرفيا ، على أن الأمر مختلف جزئيا في وطننا العربي ، حيث أن غلاء سعر الكتاب في مقابل تردي الأوضاع الاقتصادية في كثير من البلدان العربية ، وسوء أحوال كثير من المتعاطين مع الشأن الثقافي بوجه خاص ، يمثل عائقا جوهريا لانتشار رقعة الكتاب المطبوع بين جمهرة المثقفين والقراء ، من أجل ذلك فقد عمدت عدد من تلك الدول العربية لتجاوز هذه الأزمة ، إلى إنشاء هيئة عامة للكتاب ، تهتم بطباعة كثير من الإنتاج المعرفي بتكلفة منخفضة جدا ، حتى يتسنى للجميع اقتناء الكتاب المطبوع ، وتعم الفائدة بشكل كلي . مما يحقق قيمة ما أحدثته الطباعة من ثورة معرفية ، حين ساهمت في تحويل الثقافة من مشروع مخملي ، لا يستطيع الانتماء إليه إلا من كان قادرا على اقتناء المخطوطة المعرفية ، إلى مشروع شعبي يمكن لكل طبقات المجتمع الاقتصادية من التماس معه بيسر وسهولة . ونحن في المملكة لسنا ببعيدين عن قرنائنا في مختلف الدول العربية ، حيث يشكل في الغالب ارتفاع سعر الكتاب المطبوع عائقا جوهريا أمام انتشار الثقافة بوجهها الشعبي ، ليصبح أمر اقتناء الكتاب في عديد من الموضوعات المعرفية ، حكرا على طبقة النخبة المادية ، وهو ما ينعكس سلبا على حقيقة بناء النهضة الثقافية ضمن إطار مجتمعنا بوجه عام ، من هذا المنطلق كانت مناداتي في الأسبوع الفائت لمعالي وزير الثقافة ، وللمعتنين بأمر نشر وتوزيع الكتاب ، وللواعين من جمهرة المثقفين ، عبر برنامج الصفحة الأولى على قناة الثقافية ، وخلال تناولي لفنجان القهوة بمعية الأديبة والإعلامية ميسون أبو بكر ، للمسارعة في إنشاء هيئة عامة للكتاب في وطننا السعودي ، يكون من أهدافها الاهتمام بتنظيم المعارض الدولية للكتاب ، والسعي إلى تحرير سعره من ذلك القيد الاقتصادي ، بدعم إنتاج وطباعة الكتاب المعرفي من جهة ، وإيجاد العديد من الطبعات الشعبية لمختلف أنواع الكتب الثقافية ، ناهيك عن تبني ورعاية إنشاء مقاهي الكتاب في العديد من الأماكن العامة ، كالمطارات ومختلف محطات النقل العام ، والأسواق المركزية ، علاوة على المكتبات العامة ، ومكتبات مصادر التعلم بمدارس التعليم العام ، إلى غير ذلك ، وحين تحقيق ذلك نكون قد بدأنا أولى خطوات تحرير ثقافتنا من قيد النخبة المخملية ، فهل إلى ذلك سبيل يا معالي الوزير؟ .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store