Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

منع علاج الوافدين و قيمنا الأخلاقية !!

قبل أسبوعين تحدث إليّ شخص فلسطيني طلباً لشفاعتي لدى إحدى مستشفيات وزارة الصحة في مكة المكرمة بسبب توقفها عن علاج والده الذي كان يتلقى العلاج فيها على مدى السنوات الماضية باعتبار أن ابنته سعودية ، و ذل

A A
قبل أسبوعين تحدث إليّ شخص فلسطيني طلباً لشفاعتي لدى إحدى مستشفيات وزارة الصحة في مكة المكرمة بسبب توقفها عن علاج والده الذي كان يتلقى العلاج فيها على مدى السنوات الماضية باعتبار أن ابنته سعودية ، و ذلك بسبب صدور تعليمات جديدة تمنع علاج أي وافد يحمل إقامة نظامية في مستشفيات الصحة إلاّ بدفع تكاليف العلاج.
وقد حاولت الشفاعة و لم أنجح وليس هذا بيت القصيد ، و إنما مبدأ الامتناع عن علاج الوافدين في مستشفيات وزارة الصحة ، الذي تمدد إلى حالات الطوارئ و الحوادث ، و فرّغ مشاعرالإنسانية من قلوب بعض القائمين على مستشفيات الصحة ، إلى الدرجة التي أدت إلى تعرض البعض للخطر وولادة بعض الحوامل على أبواب الطوارئ في بعض المستشفيات، و بالتأكيد هناك من تعرضت حياته للخطر بعيداً عنها بسبب استسلامه للقرار و البقاء حيث هو ، و هناك من يعاني من الألم و لم يجد من يعينه .
قد يقول قائل إن الوزارة غير مسئولة عنهم و ليس عليها أن تتحمل تكاليف علاجهم ، و يتناسى أن هؤلاء المقيمين بصفة نظامية هم أناس قدموا بناءً على طلبنا و بإذن الدولة ، وللقيام بأعمال يحتاجها المجتمع و تخدم منظومة مشاريع التنمية في البلد. و أيضاً هناك نُظم متبعة في بلدان الخليج تُشبه التأمين الصحي بحيث يدفع المقيم مبلغا عند تجديد الإقامة مخصصاً لتأمين العلاج له (في الإمارات 300 درهم و في الكويت 50 ديناراً) وتتولى مستشفيات الحكومة العلاج.
الأهم من هذا و المؤلم في نفس الوقت ما نقلته الكاتبة سوزان المشهدي في جريدة الحياة تحت عنوان (... ولكن) عما تلقاه أحد المبتعثين السعوديين إلى فرنسا من الحكومة الفرنسية في رسالة تقول: «علمنا من طبيبتكم أن ستُرزقون بمولود متوقع وصوله إلى الدنيا بعد ثلاثة أشهر ، يُسعدنا أن نعلمكم بأن الحكومة الفرنسية سترسل لكم مبلغ 1000 يورو شهرياً لمدة سنة لكي تتمكنوا من الصرف على المولود و تتمكنوا من إعطائه الاهتمام اللازم و ان هناك دورات للأم و الأب خاصة بالطفل و رعاية المواليد و التدريب على الولادة تُقام بجانب بيتكم في المكان الفلاني و في الساعة الفلانية كل يوم ثلاثاء يسعدنا حضوركم للأهمية»
وهناك عناية مشابهة سمعت عنها من مبتعثي الثمانينات الميلادية إلى بريطانيا بما فيها تقديم الرعاية المنزلية للأمهات و المواليد و تزويد الأسرة باحتياجاتهم من حليب الأطفال والحفاظات و ما إلى ذلك.
ألا يُشعرنا مثل هذا الواقع الذي يعيشه أبناؤنا كوافدين في دول أخرى مقارنة بواقع بعض الوافدين لدينا بأن هناك خللاً ما في موضع ما ؟ هل هو في قيمنا و أخلاقياتنا ؟ أم هو في ذهنية من يقفون وراء مثل هذه القرارات ؟ أم هو في منظومة إدارة المرافق الصحية و النموذج الذي تتبعه هذه الإدارة –إن وُجد أصلاً- ممثلة في وزارة الصحة؟
إن تعاليم ديننا و قيمنا التي يدندن عليها العديد من المسئولين بمناسبة و بغير مناسبة تحثنا على الرحمة و التراحم ، رحمة كل من في الأرض (أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) ؛ رحمة الضعيف و المريض و الصغير و الشيخ و العجوز ، بل و رحمة الحيوان ؛ فأين نحن من التطبيق إذا كنا في بعض مستشفياتنا لا نعين الإنسان المريض كونه غير سعودي و نصر على ذلك ونحن نحس آلامه و نسمع أنينه ؟
و الله إنني أشعر بالأسى كلما حدثني أحدهم عن تداعيات قرار الامتناع عن علاج الوافدين من معاناة وألم ومخاطر صحية .. ألا يفكر من وقف وراء القرار ومن ينفذه .. ألا يفكرون بأن انتزاع الرحمة من قلوب العاملين في مستشفيات الصحة سبب من أسباب تدهور مستوى خدماتها ؟ ألم يئن لهم أن يعيدوا النظر في القرار بما يعيد لنا قيمنا وأخلاقياتنا التي أتى القرار على جزء هام منها ؟؟ أرجو ذلك.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store