Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الخطباء.. والاستشعار بالمسؤوليّة

الخطباء.. والاستشعار بالمسؤوليّة

أذكرُ أنَّني كتبتُ في هذه الزَّاوية مقالاً بعنوان (الزّاد الأسبوعي مسروق!!)، وكنتُ أعني تمامًا خطبتيّ الجمعة؛ لأنَّني أتذكّرُ جيّدًا عندما كُنَّا في مرحلة الطُّفولة، وصاحب هذا المقال يعيش بين مجالي

A A

أذكرُ أنَّني كتبتُ في هذه الزَّاوية مقالاً بعنوان (الزّاد الأسبوعي مسروق!!)، وكنتُ أعني تمامًا خطبتيّ الجمعة؛ لأنَّني أتذكّرُ جيّدًا عندما كُنَّا في مرحلة الطُّفولة، وصاحب هذا المقال يعيش بين مجالييه في قريتي الصّغيرة نتلمّس مكانًا نجلس فيه لسماع خُطب الجُمع التي حفظناها عن ظهر قلب من إمامنا. كان الصّف الأوّل حَكْرًا على كِبار السّن، ثمَّ الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. أمّا نحن الصّغار، فمكاننا الصّف الأخير الملاصق لجدار المسجد، حتى وإن حضرنا مبكّرًا.
كان إمامُنا يعيدُ تلك الخطب المكرورة لنا كلَّ أسبوع، حتّى أصبحنا نردّدها معه بيننا وبين أنفسنا، وكنتُ أكره ذلك التّكرار كرهًا أوصلني إلى حالة من الاشمئزاز تارة، والتّعاطف تارات أُخر، فإمامنا لا يفتأ يعيد ولا يزيد من ذلك الكتاب البالي، حتّى تمزّقت بعض صفحاته، فلا أذكر أنَّه كَتَبَ خطبةً واحدةً على مدى سنوات كثيرة عن مشكلة، أو قضية يعيشها أولئك المساكين من أهل القرية.
ودارتْ الأيام، ثمَّ توسّعت دوائر الخطب وموضوعاتها، وابتعدت عن دائرة الإعادة والاجترار شيئًا فشيئًا؛ ولكنَّها لم تخرج عن ذات الدّائرة.
ومع ذلك؛ حدث ما هو أشدّ من ذلك، حيث نسيت الخطب هموم المجتمع وقضاياه، ما أدّى إلى انحرافها عن هدفها المقصود إلى هدف آخر لا يعني أحدًا إلاّ كاتبها، فانجرفت خاصة إلى شؤون السّياسة؛ بل وصل الحال إلى الوهم بحل مشكلات الحروب والصّراعات في كلّ بقاع الدُّنيا، ومن الخطباء مَن تعدّى ذلك بكثير في جراءة بليدة إلى إرسال رسائل من منبر مجهول إلى زعماء العالم بلغة افعل.. ولا تفعل، وكأنَّ زعماء العلماء، وأرباب السياسة، وما شاكلهم ينتظرون نصيحة من خطيب جمعة مغمور، في مسجد لا يرتاده إلاَّ مجموعة من كِبار السّن، لا يفقهون شيئًا من علوم السّياسة أو شؤونها!!
يا قوم علينا أن نعي أنَّ خُطب الجُمع في عُرف الدِّين زاد المؤمن، وقوته الأسبوعي. إنّها مرآة حيّة لكلّ خللٍ مجتمعي، وصدى لكلّ عوج اجتماعي.
ويا سادة علينا -أيضًا- أن نؤمن أنَّ الخطيب لسان حال المجتمع؛ نصحًا وإرشادًا، يكشف السّوأة، ويبحث عن الحل. فهيهات أن يثمر (خِطاب الجُمع)، وهو مصروف عن واقع النّاس!!
إنَّ على الخطباء أنْ يقدّموا للنّاس ما يخدم مجتمعاتهم، وأن يستشعروا بأنَّ لهم رسالة شرعيّة، وعلميّة، وتربوية، لابدَّ أن يؤدّوها بما يحقّق الغرض الأسمى علميًّا، وتربويًّا واجتماعيًّا. فالأصل فيما يقوم به الخطباء هو عمل دينيّ معرفيّ يتأسّس على مواجهة التَّحديات، والاستجابة لحاجات المصلين والبلاد.
إنَّ خطيب الجمعة -كما يعبّر الأمير خالد الفيصل- تتهيأ له الفرصة (الفريدة) لمخاطبة النّاس -أسبوعيًّا- دون مقاطعة أو مساءلة، ذلك أنَّ النّاس ينظرون إليه نظرة الاحترام والتّقدير؛ لما يحمله هذا الخطيب من مسؤوليّة إسلاميّة أخلاقيّة توعويّة، ويتقبّلون ما يقوله مطلقًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store