Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

فضفضة كاتب صحفي

لا شيء يُشبه الكتابة الصحفيّة إلاّ التنفّس برُبْع رئة، لا حيٌّ فتَمُوت، ولا مَيّتٌ فَتُعزّى، وما نتاجُكَ المفترض أن يكون تاجك إلاّ طاقيّة لا تكاد تُغطّي هامة رأسك، أملُكَ الموشوم بـ“يأسك”، ليس لأنّ كت

A A
لا شيء يُشبه الكتابة الصحفيّة إلاّ التنفّس برُبْع رئة، لا حيٌّ فتَمُوت، ولا مَيّتٌ فَتُعزّى، وما نتاجُكَ المفترض أن يكون تاجك إلاّ طاقيّة لا تكاد تُغطّي هامة رأسك، أملُكَ الموشوم بـ“يأسك”، ليس لأنّ كتابة مادّة محدّدة في وقتٍ مُحدّدٍ تُحيل مسألة الكتابة إلى عملٍ بدلاً من أملٍ، ولكن لأنّك (كلّك على بعضك مُحدّد)، وتلك الطاقيّة سالفة الحِبْر قد تتحوّل بـ“قدرة قادر”.. إلى طاقيّة إخفاء لا قدّر الله! لذلك فالمسألة ليست بتلك السهولة الصعبة، ولا الصعوبة السهلة، إذ تحكمها الكثير من الظروف (الزمان والمكان) والمزاج أيضًا، توقيتًا وتقويتًا، فما لا يُمكن نشره اليوم قد يُنشر غدًا، والعكس، ينطبق هذا الكلام على المكان أيضًا، هذا فضلاً على أنّ الكتابة حالة من الإلهام والتجلّي، لا يُمكن لأكثر المبدعين خبرةً السيطرة عليها، والدخول في جوّها متى ما أرادوا، وأين ما أرادوا؟ ولعلّ أقسى ما يمُر على الكاتب الصحفي أن يجد نفسه وجهًا لوجه أمام سيف الوقت المسلط، في لحظة جفاف وعدم صفاءٍ ذهنيٍّ، يراود الفكرة عن نفسها فتأبى.. إن أجبرها خسر شرف إبداعه، وإن امتنعت خسر شرف مغامرته، وإن هرب من ذهب الكلام إلى كلامٍ ذهبَ هباءً.. وَقَعَ في فخّ المعاريض، والكتابة الإنشائيّة.. تلك التي لا تفعل شيئًا إلاّ أنّها تملأ الفراغ فراغًا،
ولعلّي أعرج بهذه الفضفضة على حبيبتنا الرقابة، التي أحترمها، وأؤمن بأهميّتها لكي لا يختلط الحابل بالنّابل؛ لكن النفس البشريّة من طبعها وفطرتها تعشق الحريّة والكتابة بالذّات واللّذّات إن خَلَت من نزعة التمرّد، والخروج على المألوف، أو عجزت أن تُصبح شراعًا لسفينة التحدّي، تتحوّل شيئًا آخر لا علاقة له بالكتابة المُبدعة الخلاّقة، الكتابة التي تمنح قارئها أوكسجينًا لن يجده إلاّ عند ذلك الكاتب/ المُبدع، يقول الدكتور علي الموسى في وصفٍ بليغ وبلاغةٍ واصفةٍ: (الكتابة الصحفية إلى حدٍّ كبير تشبه المشي على الحبل، ولكن فرق أن يكون ذلك الحبل مشدودًا بين ناطحتي سحاب، أو ملقى على الأرض)!، ويقول قريبًا من هذا الشأن شيخ السّاخرين: السحيمي محمد: (الكتابة كالمشي على شظايا الزجاج: تتحاشى الكبيرة.. وتخترق الصغيرة ما بين ظفرك واللحم)! وأقول: هنا تكمن المُتعة والخطورة في آنٍ واحد، اللهم احفظنا، واحفظ حبالنا، وقرّاءنا من كل سوء، لا أدري.. لماذا أقول هذا الكلام؟!! ولكنّي وللأمانة كنت محتاجًا لهذه الفضفضة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store