Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

«أنا أعتذر»!!

الاعتذار سِمَةٌ مِنْ سِمَات الإنسانِ السَّوِي، وما أكثرَ الذين يعتذرون حين يخطؤون. وزيرُ الحج (د.

A A
الاعتذار سِمَةٌ مِنْ سِمَات الإنسانِ السَّوِي، وما أكثرَ الذين يعتذرون حين يخطؤون. وزيرُ الحج (د. بندر الحجار) واحدٌ من هؤلاء، قدّم اعتذاره الشخصي، عن موقفٍ مُحْرِج للغاية، لم يصدُر منه، وإنما صدر من موظف في الوزارة، وحين أحسّ الوزير بالخطأ وقف أمام الناس قائلا: "أنا أقدم اعتذاري الشخصي نيابة عن الموظف" (صحيفة الوطن، 18 شوال 1433هـ، الصفحة الأولى) السبب أن الموظف "تطاول على أحد أصحاب الشركات والمؤسسات، أثناء مراجعته الوزارة، لإنهاء إجراءات تتعلق بمؤسسته".
هذا منهج لا يختلفُ الناس حول جدواه، كان مُحْتَكَرًا على فئة من الناس، لم يكن من بينهم بصراحة بعض المسؤولين، لكنّ العَصْرَ قفز بثقافة الاعتذار إلى السطح، وكأنه على موعد تاريخي مع الفرد المندمج في مجتمع يسمى الآن "المجتمع المدني" يتعامل من خلال: حقوق الإنسان، والبُعْد عن السلوكيات الجافة، التي تجرد مَنْ يتعاملون بها من إنسانيتهم، وتلقي بهم خارج الزمن، وهؤلاء ما أكثرهم في هذا الزمن.
"أنا أقدم اعتذاري الشخصي، نيابة عن الموظف" اختيار يفرضُ نَفْسَه على تعامل المسؤولين، والمواطنين، والمقيمين، وكل شرائح المجتمع، يتطلبه التغيير صوْب الأحسن والأفضل، وينبغي تعميمه في كل مؤسسة، ولتكن البداية من البيْت، وصولا إلى المجتمع كافة، مرورا بالمدرسة، والمعهد، والكلية، والجامعة، والمسجد، والجامع، فالاعتذار ثقافة لا يتجاهلها إلا المكابرون، وهو علاقة خاصة، وحيوية، ومصيرية، وتتجدد دومًا كلما أحس الإنسان بالخطأ.
أعرِفُ مسؤولا أمضى في عمله أكثرَ من أربع عشرة سنة، تقلد خلالها أكثر من منصِب، أعلن في مجلس عام أنه لم يخطئ طيلة عمله، فردَّ عليه أحد الحاضرين قائلا: أنْتَ لَمْ تعمل إطلاقا أربعةَ عشر عاما!! ولو عَمِلْتَ فستخطئ، ومَنْ لا يُخْطئ لا يعمل.
ثقافة الاعتذار في معظم المجتمعات العربية مفقودة، يخطئ مسؤول بحق مواطنٍ فلا يعتذرُ له، ويخطئ أبٌ بحق ابنِه فلا يَعْتذرُ له، ويخطئ مُعَلِّمٌ في مَدْرَسة بحق طالب فلا يعتذر له، وتُخطئ أُمٌّ بحق ابنتها فلا تعتذر لها.
ثقافة الاعتذار، قابلة لإدراك العقل وفهمه، وتأصيلها في أيِّ مجتمع، يحمي الأفراد من المزايدات، ويجمع شتاتهم في علاقة كلية واحدة، وهي مُبَرّرة في نظر العَقْل، ومُتّسِقَة معه، ومع حقوق الإنسان، وضد الصلف، والكبرياء، والخواء، ويبقى مطلوبًا ممن يزرعون ثقافة الاعتذار، أن يُسْقُوها بماء التواصل، وبكلمة واحدة: ثقافة الاعتذار صمّام أمان العلاقات الإنسانية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store