Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مسح لرأس مواطن !

لو مرّرنا آلة مسح الأحلام على رأس بعض المواطنين من ذوي الدخل المحدود لمعرفة همومهم خلال الأربعين سنة الأولى من عمرهم -هذا إن لم تكن هذه السنوات هي كل حصيلتهم من هذه الحياة- لوجدنا صورةً تكاد تكون و

A A

لو مرّرنا آلة مسح الأحلام على رأس بعض المواطنين من ذوي الدخل المحدود لمعرفة همومهم خلال الأربعين سنة الأولى من عمرهم -هذا إن لم تكن هذه السنوات هي كل حصيلتهم من هذه الحياة- لوجدنا صورةً تكاد تكون واحدة من فرط تشابهها وإليكم ما أظنّه جزمًا وأجزمهُ ظنًّا: يستيقظ ذلك الكائن في مسقط رأسه (يد ممرضةٍ حسناء) غالبًا ليست سعوديّة، يأخذهُ والداه إلى شقّة مستأجرة، بعد سنتين إن كان الطفل الأوّل ستكون لهُ غرفةٌ مستقلّة وإن لم يكن الأوّل سيجد نفسهُ شريكًا في غرفة مع طفلٍ آخر أخيه أو أخته، بعد أن يصل للسادسة يذهب إلى المدرسة ليتم تعليمه القراءة والكتابة على طريقة الكتاتيب، بعد سنوات يقرأ ويكتُب ما يراد له أن يقرأ ويكتب، يكتشف خلال ذلك أنّ الأسئلة ممنوعة والإجابات على نمط: واحد زائد واحد يساوي اثنين ومساحة «عيب وانطم» تلتهم مساحة: رائع وأحسنت، ما هي إلاّ سنواتٌ قليلة ليكبر كثيرًا بين سندان: خلّك رجّال ومطرقة: أنت متى طلعت من البيضة؟! يتعلّم خلال دراسته أشياءً لا تهمّه كثيرًا فيزداد علمًا بجهله حتى يصل إلى المرحلة الجامعيّة وهو لا يدري أيدخل تخصصًا يجعل منه ضابطًا أو معلّمًا أو موظفًا في البلديّة وعلى طريقة: وش اللي له مستقبل جيّد في البلد يدحرج كرة أحلامه ويجري خلفها، في الجامعة يختار تخصّصًا لم يكن يحلم به،
لكن لا خيار فلقمة العيش هي الحلم الحقيقي، أثناء ذلك يقدّم على منحة أرض، يتخرّج من الجامعة ويُقدّم أوراقه في كل مكان ليعود إلى غرفته منتظرًا اتصالًا يحدّد مستقبله، بعد فترةٍ ليست بالقصيرة يأتي الفرج ليست وظيفة لكنّه (حافز)، كان سعيدًا لأنّه على الأقل سيتكفّل بدفع مصاريف (ساهر)، وهذا بحد ذاته إنجازٌ عظيم، يقضي تلك الفترة في قراءة الجرائد وتتبّع إعلانات الوظائف يشتغل (سكيورتيًا) تحت رحمة شركة تلتهم نصف راتبه وتمنحه الشيء اليسير على بند: تبي تشتغل وإلاّ توكّل على الله! - يقترب من الأربعين وتلك الأرض التي قدّم أوراقه للحصول عليها لم تتهيّأ بعد، يصل الأربعين بلا أرض ولا قرض ولا فرصة عمل تمنحه الأمان الوظيفي.. هذا ليس فيلمًا أو لوحةً سيرياليّة، هذه حقيقة إلى درجة أنّ بإمكاني أن أملأ مساحة المقال القادم بالأسماء الثلاثيّة بل والرباعيّة لمن أعرفهم شخصيًّا وتنطبق عليهم نتيجة هذا المسح من مفردة: (يستيقظ.. إلى عبارة: الأمان الوظيفي).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store