Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الكائنات اليدوية

الفعل الآلي أحد أخطر الانفعالات النفسية المتجسدة في الإنسان، والقابلة للانفجار بأسرع مما يظن المرء.

A A
الفعل الآلي أحد أخطر الانفعالات النفسية المتجسدة في الإنسان، والقابلة للانفجار بأسرع مما يظن المرء.
ولذلك جاء نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يحمل الإنسان الحديدة ويوجهها ولو مازحاً لصاحبه. كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن حمل السلاح في يوم العيد. والحديثان صحيحان.
إن الآلة أداة ووسيلة لغاية محددة، لكنها عندما تتحول إلى نشاط حيوي وحياتي في البيئات العامة، والمجالس العامة، والمناسبات العامة، فهنا تكمن الخطورة؛ لما لها من دلالات نفسية، وآثار خطيرة عندما ينفعل حاملها بطريقة متعجلة.
واليوم في العصر الحديث برمجت الآلة الإنسان إلى آفاق أخطر وأعقد.
فأنت تجد الإنسان يحمل (الجوَّال) كثيراً في يده، ويستخدمه في سيارته، ويضعه عند وسادة نومه، ولا يغلقه إلا عند تكرار نداء المضيف طلب إغلاقه وقت إقلاع الطائرة!.
بل تحولت الأزمة إلى غرف الاجتماعات المهمة، والجلسات العائلية الخاصة، وحلق العلم، ومساجد الذكر.
ومع التطور الهائل لبرامج المتابعة والتواصل الاجتماعي المقروءة والمسموعة والمصورة، عبر الهواتف والحواسيب الصغيرة، لم يعد المرء أحياناً يفكر في نفسه، وعبادته، وأولوياته، وانسجامه، وواجباته.
لقد أصبحت هذه الأجهزة بما تحويه من جديد وتطوير تلاحق الإنسان بالمقروء والمسموع والمنظور، بخاصة إذا أضفنا عوامل التشويق، والرسائل الهائلة لمتابعة حديث أو برنامج، أو المشاركة فيها والتعليق عليها.
وفي ظل هذا الجو أصبح الإنسان مستهلكاً لوقته، وصبره، وهدوئه، وقناعاته!.
نعم نحن لا ننكر ما لهذه البرامج من مزايا، وما لآثارها من نتائج طيبة ومؤثرة على الساحة الداخلية والخارجية، بل على مستوى النفس والثقافة والتطور.
لكن ذلك كله يجب ألَّا يكون ملعباً للتوتر النفسي، والانشغال الذهني، والإرهاق البدني، والتسطيح الفكري، والتورط القيمي!.
ومن الازدواجية في هذا الملف، أنه في اللحظة التي يتمني المرء فيها أن يختصر وقته في كل ما هو مفيد وجديد عبر الأجهزة المحمولة، تكمن الخطورة في أن هناك برامج لا تزال تدفع بالجديد، لا تخلو من فكرة الاستهلاك، والتشجيع المفتوح على كل شيء بلا رقيب ولا حسيب.
وهنا نعود لقضية اتسع الحديث عنها تربوياً ونفسياً: (المنع أو الممانعة).
ولا شك أنني شخصياً مع المنع والممانعة.
مع المنع للمحرم المباشر، والخطر المباشر الذي يهدد الأخلاق والقيم المتفق عليها، عصمة للإنسان في زمن الشرود والعزلة التي تفرضها وسائل الإعلام الجديد.
ومع (ثقافة الممانعة) التي تحفظ الإنسان بعد حفظ الله، طالما استوعب الدرس جيداً، وفهم قواعد اللعبة الحديثة.
وحتى لا نكون على خط الحزن والتشكي، فإنني أدعو إلى ممارسة ما في هذه البرامج من نفع للتسلية الجميلة، أو موضوعات مناسبة، وحسن إدارة النفس أثناء استخدام هذه الأدوات، فهي في تقديري ثقافة تُدرَّس وتُدرَّب مثل دورات قيادة السيارة، والخطابة الجماهيرية، وسواها.
وبدل أن نكون استهلاكيين علينا أن نكون فاعلين ومنفعلين بطريقة صحيحة. وأن نشعر ونحن نستخدم هذه الأجهزة أننا بشر (آدميون) نبحث عن الأحاسيس والمشاعر الصادقة، والمواقف الصالحة، والأولويات المهمة، والواجبات المتحتمة، لا أن نتحول إلى آلات ميكانيكية، وكائنات يدوية، تتجمد مشاعرنا، وتتوه أولوياتنا، وتضيع اهتماماتنا!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store