Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

القاضي المذبوح

بعد تحرير الربيع العربي لشعوب من قبضات ظالميهم ومن عاونهم، الذين لم تسلم حتى مؤسسات القضاء من تسلطهم، صار من الطبيعي جداً أن يعتاد الناس السماع عن قضايا ترفع على الرئيس والسلطة الرئاسية، وغير ذلك من م

A A
بعد تحرير الربيع العربي لشعوب من قبضات ظالميهم ومن عاونهم، الذين لم تسلم حتى مؤسسات القضاء من تسلطهم، صار من الطبيعي جداً أن يعتاد الناس السماع عن قضايا ترفع على الرئيس والسلطة الرئاسية، وغير ذلك من مسؤولين.
ففي الزمن (قبل الربيع العربي) كنت تسمع ما يسمى (الأحكام العسكرية)، (والمحاكم الإرهابية)، ولها أنظمة وطرق لا تستند إلى أي قوانين، ولا تُراقب من أي جهة، ولا تحمل أي معايير من الشفافية، والتغطية الإعلامية، والحقوق الإنسانية، ويوماً بعد يوم بدأت الجماهير تدرك أضحوكة (فصل القضاء عن الحكومة).
إن القضاء هو ركن بقاء الدولة واستقرارها ونهضتها؛ لأنه الوحيد الذي يحقق ركن (العدالة).. وبغير الحق والتجرد يذبح القاضي مبادئه وتاريخه، ويقوِّض الخير والرحمة. وفي الحديث الحسن عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: «من وليَ القضاء فقد ذُبح بغير سكين». [أخرجه أصحاب السُّنن].
وفي كتاب (الإعلام بالأعلام بين الحكام) للإمام «محمد بن موسى النعمان، ت: 638هـ» في ص 38: «كان المنصور قد دعا أبا حنيفة والثوري وشَريكاً ليوليهم على القضاء، فكان المنصور يقول لكل منهم: هذا عهدك على قضاء (كذا)، فخذه والحق بها. ثم قال لحاجبه: وجِّه معهم متوكلاً بهم، فمن أبى فاضربه مائة سوط. فأما شَريك فإنه تولى القضاء، وأما سفيان الثوري فإنه هرب إلى اليمن عبر سفينة، فأخفاه الملاَّح تحت (الباري) -أي الحصير المنسوج-، وأما أبوحنيفة فلم يَقبل؛ فضُرب مائة سوط، وحبس إلى أن مات».
وأما (أبوحنيفة) فهو إمام الفقهاء الذي رسم صورة لظلم الطغاة الذين ضربوه وآذوه وأدموه، وهم يريدون القضاء والعدل في زعمهم!!. وهل يا ترى من يَضْربُ شيخَ الفقهاء يُنشد عدلاً ومصلحة عامة؟!.
إن من شروط القاضي (سلامة الحواس كلها)؛ ليفكر ويقارن، ويعرف عصره، ويسمع جيداً. ومن شروطه (الاجتهاد)، كما جاء في المبسوط: «وإذا لم يكن القاضي من أهل اجتهاد الرأي ليختار بعض الأقاويل، سأل المفتين (أي: المجتهدين)، ونظر إلى أفقههم عنده وأورعهم فقضى بفتواه، وهذا اجتهاد مثله، ولا يعجل بالحكم إذا لم يتبين له الأمر حتى يتفكر فيه، ويشاور أهل الفقه لأنه مأمور بالقضاء بالحق، ولا يستدرك ذلك إلا بالتأمل والمشورة».
وقد وجدنا مصداق ذلك اليوم، من خلال متابعة البرامج الجادة في بعض القنوات، وكيف أن عدداً من القضاة والفقهاء الكبار، والخبراء الدستوريين العرب ناقشوا عدداً من الأحكام التي صدرت في أروقة المحاكم، وكيف كان التباين بينها كبيراً!!
قد يقول قائل: إن القاضي اجتهد، وانتهى الأمر. ونقول: لا، إن الأمر لم ينته؛ لأن القضاة والفقهاء والخبراء قرأوا معلِّلات الحكم؛ فوجدوا فيها ثغرات شرعية وقانونية، لا يجوز أن يكون الإنسان ضحية لها، أو موضعاً للتجريب، أو تصفية الحسابات بين الخصوم.
وإذا كان الحال كذلك، فإن على الحكومات العربية والإسلامية ألا تغضب من الاعتراض الشرعي والقانوني على بعض الأحكام الصادرة في المحاكم، طالما بُيِّنت الأدلة والقرائن؛ لسببين:
1- أن الحكومات تقول: إن القضاء مستقل، وطالما أنه كذلك فإنها ليست معنية بتحرير النتيجة القضائية، وما جرى قبلها من مناقشات جادة ومحررة ومهذَّبة؛ لأنها في المآل مسألة قضائية بحتة، تعني المهتمين والمتخصصين.
2- أن باستقرار القضاء، ونزاهته، وعدالته، استقرارا للبلاد الاسلامية كلها، وهذا ما يعني كل الحكومات الصادقة مع نفسها ومع شعوبها.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store