تراكمية الخطأ الطبي تعكس أن ثمة إهمالاً يُمارس في دهاليز المراكز الصحية والمُستشفيات الحكومية والأهلية على حد سواء – منها ما ظهر وبان ، ومنها من توسد ضحيته التراب ودُفن سره معه ، وسُجل مع سبق الإصرار والترصد تحت ذريعة القضاء والقدر الذي لا ننكره من حيث المبدأ ، ولا نؤيد إسقاطه على كل الأحوال لتبرير الممارسات الخاطئة ، إلا أن الواقع – وللأسف الشديد – لا تزال هذه الشمَّاعة هي المُتحكمة في تعاطيه عندما نُريد تعليق أخطاء الآخرين وإخراجهم من دائرة الاتهام وتلبيس جُرمهم بلباس التقوى . رهام الحكمي - طفلة الأحد عشر عاماً – واحدة من حلقات الأخطاء الطبية التي لن يُصلحها « قدَّر الله وما شاء فعل « ، ولن يُخرجها من مُصابها الجلل تعاطف الآخرين معها ، بل هي وردة في مُقتبل العمر ستذبل رويداً رويداً ، لا لذنب ارتكبته ، بقدر ما هو حُكم أصدره الجهاز المسئول عن صحة الإنسان عليها ، وجعلها تتجرع الموت البطيء تحت أنظار والديها المفجوعيَن بما حدث لها ، ومتابعة من زميلاتها اللاتي يتحسسن خبر رحيلها بين الفينة والأخرى .
يا لبؤس الإنسان عندما يموت ، وغريمه المُتسبب يرفل في نعيم الحياة حُراً طليقاً لا يشعر بمعاناته ، ولا يتفاعل مع ألمه ، وإن ضاقت عليه الأرض بما رحُبت قال : لم أقصد ما حدث ، وأردفها بحوقلة تُجلجل مُحيطه يُخرج مع زفراتها ردة فعله السلبية تجاه فعلته الشنيعة ، ولو تتبعنا المحاسبية - فعلاً لا تنظيراً - لوجدنا أنها لا تُقارن بحجم الجريمة ، وبالطبع يُستثنى مِن هذا التأطير أصحاب الجاه والمال الذين تُغلق من أجلهم المُستشفيات – إكراماً لمثوى موتاهم وإجلالاً لمكانة حيِّهم – وهي سمة حميدة نتمنى تعميمها لا تخصيصها فقط .
إن السكوت على تمادي ممارسي الصحة في هذا المجال يعني أن قائمة الضحايا ستطول ؛ لذا آن الأوان – دون تسويف أو مماطلة – لإعادة النظر في التوسع بالمراكز والمُستشفيات الخاصة القائمة على فلسفة الربحية دون تقديم خدمة صحية ذات جودة عالية ، وسنَّ نظام مُحاسبي فعَّال يكفل احترام الإنسان لإنسانيته ، ويُخفف من الجشع المتنامي لهذه المشاريع التي لا تعدو أن تكون ذات صبغة اقتصادية لا صحية ، كما يجب أن يكون التوظيف في المراكز والمُستشفيات الحكومية خاضعا لمعايير الجدارة لا لتطبيق السعودة فقط على علاتها ، وعدم الارتهان للأصوات المُطالبة بتوظيف السعوديين دون امتلاكهم لمهارات تتسم بأعلى درجات الاتقان في مجال عملهم ؛ لأن المُزايدة على صحة الإنسان تعني القضاء عليه .
لقد أصبح دخول المستشفيات والمراكز الصحية الأهلية والحكومية مشوباً بالخطر لمن يشتكي من عارض صحي بسيط ، فكيف بمن تغلغل السقم في أحشائه ، وأتى إليها طالباً العون والمساعدة من كوادرها البشرية المشكوك في كفاءة بعضها المهنية ، وهو في قرارة نفسه يخالطه الشك في خروجه سالماً منها جراء الشواهد المتتالية التي لا تحتاج للكثير من التفكير بقدر ما هم يحتاجون للتفكر في انعكاساتها الإنسانية والمهنية ، ولكن ليس أمامه خيارات تُنقذه من واقعه المرير سوى الاستسلام لأسرَّتِها البيضاء .
Zaer21@gmail.com
الأخطاء الطبية.. وغياب الأنظمة المحاسبية
تاريخ النشر: 24 فبراير 2013 01:34 KSA
تراكمية الخطأ الطبي تعكس أن ثمة إهمالاً يُمارس في دهاليز المراكز الصحية والمُستشفيات الحكومية والأهلية على حد سواء – منها ما ظهر وبان ، ومنها من توسد ضحيته التراب ودُفن سره معه ، وسُجل مع سبق الإصرا
A A