Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مطلق الثبيتي .. شاعرالتجديد والمعنى

مطلق الثبيتي .. شاعرالتجديد والمعنى

مطلق بن حميد بن أحمد الثبيتي العتيبي ـ رحمه الله ـ (راعي الباكور) ولد ببلدة السيل الكبير بمحافظة الطائف سنة 1359هـ وتوفي والده وعمره عشر سنوات، ووالدته غزوا بنت مطلق بن بصيص الثبيتي كانت تلقب بأم ر

A A

مطلق بن حميد بن أحمد الثبيتي العتيبي ـ رحمه الله ـ (راعي الباكور) ولد ببلدة السيل الكبير بمحافظة الطائف سنة 1359هـ وتوفي والده وعمره عشر سنوات، ووالدته غزوا بنت مطلق بن بصيص الثبيتي كانت تلقب بأم ربيعان أسوة بابن ربيعان وهو من أهم شيوخ عتيبة في نجد وذلك لما تحمله من المعرفة والحكمة والرأي، فعاش مع أخته الوحيدة في كنف أمه في شظف من العيش وتعلم منها الفصاحة والبلاغة والشعر فوالدته مدرسة في الحياة والأدب وفي سن الثانية عشرة من عمره بدأ حبه الشديد للقراءة حتى أصبح خطيبا للقرية في العيد وفي ليالي الشتاء يجتمع حوله كبار القبيلة ليقرأ لهم شعر عمرو بن كلثوم وعنترة والعديد من قصائد الشعر الجاهلي في زمن لا يجيد القراءة فيه إلا عدد قليل. وأثناء دراسته الابتدائية كان يعمل في محل صغير ليوفر مصروف عائلته الصغيرة وفي التاسعة يوقف العمل ويغلق الباب ويشعل الفانوس ويبدأ في ممارسته هوايته وعشقه القراءة إلى الساعة الواحدة صباحا ثم يعود لمنزله واضطر للرحيل لمدينة الطائف لدراسة المرحلة المتوسطة المتوفرة في المدن فقط لينتقل بعدها إلى مكة المكرمة لإكمال دراسته في دار التوحيد. في بيئة تمتزج فيها ثقافة القرية والوادي بالمدينة ومجتمع القبيلة بمجتمع الحاضرة وعلى الطريق المؤدي إلى مكة المكرمة من الناحية الجنوبية فعاش الشاعر بين أهله وقومه الثبتة من عتيبة المعروف عنهم الشعر والفكر والثقافة والأدب والحياة الحجازية المتنوعة الثقافات بحكم القرب من المدن الرئيسة والقبائل المجاورة شمالا كهذيل وسليم وحرب وهذه القبائل تتشابه في العادات والتقاليد والموروث الشعبي وخاصة شعر المحاورة الذي كانت مكة المكرمة ميدانه الكبير ومنتصف ساحته الجغرافية من الطائف وحتى المدينة فاكتسب الشاعر مطلق الثبيتي المهارات الاجتماعية ومهارات الشعر تحديدا بكل سهولة خاصة وأن والده حميد الثبيتي من شعراء المحاورة المعروفين وكذلك الشاعر منيع الله بن منيع الثبيتي وغيرهم.

جرأة الشعر
ويمتلك الشاعر مطلق الثبيتي فطرة الشعر والموهبة والبكور الشعري الذي بدأ يظهر على شكل أبيات ومقطوعات شعرية متفرقة إلا أن جانب الاهتمام الأكبر كان منصبا على التعليم، فواصل دراسته حتى تخرج من كلية الشريعة في مكة المكرمة سنة 1385هـ وواصل دراساته العليا وابتعث إلى بريطانيا وحصل على شهادة الماجستير من جامعة مانشستر وكانت رسالته بعنوان (التجديد والتقليد في الشعر الحجازي المعاصر)، ومن زملائه الدكتور غازي القصيبي والدكتور راشد الراجح ثم عاد وبدأ التدريس في كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة وتوالت مناصبه ومهامه العملية والتي تتعلق جميعها بالشأن الثقافي والأدبي ومن هنا اكتملت اللغة عند الشاعر مطلق الثبيتي فجمع بين اللغة العامية الشعبية حيث المنشأ وبيئة السيل الكبير ديار قومه وضواحي مكة واللغة الفصحى وأسرارها من واقع عمله ودراساته وأبحاثه الأكاديمية فأصبح شاعر الحلبتين ومتبحرًا في مختلف فنون الشعر بنوعيه الفصيح والشعبي.

التجديد في المحاورة
مطلق الثبيتي اشتهر في شعر المحاورة وأحدث نقلة نوعية في هذا الفن من الشعر وجدد في المفردة والمعنى والبحر ويعتبر رائد التجديد خاصة في مرحلة التسعينات من القرن الرابع عشر الهجري والعقدين الأولين من القرن الحالي. ففي المعنى تناول السياسة والشأن العام بطابع الرمزية والعمق أو مايسمى (دفن المعنى) وتغليفه وابتعد عن السائد في المعنى آنذاك والذي يكاد ينحصر في القبيلة والمجتمع الشخصي وسار معه على هذا النهج الشاعران عبدالله المسعودي وصياف الحربي واتسمت محاوراته معهما بالندية والقوة في محاورة له مع صياف الحربي .. يقول مطلق:
الحريبي ينفض اللحية ويطوي في معمـه
راغ قلبه من شليويح المطيري والزلامي
والبعير اللي يشيل الحمل عود يرضع أمه
بعد قالوا شامخ النيبان مردوف السنامـي
صياف الحربي
الحريبي يوم غنى حطكم في راس كمـه
ثم خلاكم عجينه كن مافيكـــم عظـــــامـي
الجمل يمشي على الدرب وكلامك مايهمه
من هديره قمت من نومك وحرمت المنامي
ومن محاوراته ذات الطابع والندية التي جمعته بالشاعر عبدالله المسعودي ..يقول المسعودي:
هلا مرحبا يا مسهلا وأكثر الترحيب
وأنا من هل الديرة ولاني بها منكور
أباخذ علوم الطرقي اللي يجي ويغيب
لعله بعد عيش البداوة طلع دكتور
مطلق:
يدوم البقاء يا ذيب ياللي زهمت الذيب
عيونك كهارب نور والوجه فوقه نور
تدور الليال وتابع المقفيات يشيب
وفاح البحر ياصاحبي واغرق البابور
المسعودي:
ابا انشدك ياللي دارس الطب والتطبيب
أخير الدهر ولا هل الوادي المخضور
يقول البديوي جاء على شبرة التلبيب
واخذ لقمة جرت وكرت مع الحنجور
مطلق:
أخير الدهر للي مصخن وفاضي جيب
ونبت الحياء للي يرد الورود صدور
انا ماعرف القصة ولاني بعالم غيب
وانا عارف الجنة مرابي بنات الحور

عشق المحاورة
ويروي فرج النفيعي أحد أصدقاء مطلق ومن المقربين له قصة محاورة له مع المسعودي يقول: عاد مطلق فجأة من بريطانيا وجلس عند صديق له فأخبرناه بحفل هذه الليلة وفيه كبار الشعراء منهم المسعودي وابن تويم وغيرهم فرد علينا بأنه متعب من السفر ومنقطع عن المحاورة سنتين وكل حديثه باللغة الإنجليزية فطلبت منه أن يركب في السيارة فوافق وتوجهنا للحفل وأدخلت السيارة بجانب الملعبة ونزل منها فرآه عبدالله المسعودي ووجه له بيتين:
ياللي تمرجلت قلي في بلد وين
أنا تمرجلت وآنا في بلادي
عليك فدية سنة وصيام شهرين
وعروق سدر وسيال وسيل وادي
فرد عليه مطلق الثبيتي :
ياللي تمرجلت بالله سدد الدين
يا تكس جرول لمستشفى جيادي
عليك فدية طعم ستين مسكين
ياللي تنادي قبل وقت المنادي

مفردة المحاورة
وفي مفردة أبيات المحاورة التزم الثبيتي بألفاظ البيئة البدوية التي كان عليها شعراء المحاورة كالجبرتي والسواط والزلامي ومستور وغيرهم ولم يستطع تجاوز هذا القاموس لارتباط المحاورة بألفاظ( البعير والناقة والبابور والضلع والبارود والسيل وغيرها)ومن أبياته:
الجمل ماشي طريقه مايعيق شعيل عايق
ماعليه من الجمال اللي تردد في رغاها
وورد في أبياته مايكشف عت تأثره بالإرث العربي الفصيح في بيته:
أنا ما همني ضحكة جحا وهروج أبو نواس
أعرضها على صفق الهوى حتى تعدانـي
وإن كان يملك مخزونا هائلا من الثقافة والمفردات الجديدة ظهرت جلية في شعره الفصيح وقصائده المتنوعة إلا أن شعراء المحاورة فرضوا مفرداتهم البدوية والتي تخدم المعنى في المحاورة.ويحسب لمطلق الثبيتي التجديد في الألحان والطواريق الغير مسبوقة في المحاورة من واقع دراسته لموسيقى الأدب واضطلاعه بعلم اللغة والصوت.
وبرع الثبيتي في المحاورة بشكل لافت وكانت المغترة وساحات المحاورة شاهدا على تمكنه من النقض والفتل والتحاور مع عمالقة شعر المحاورة وعصرها الذهبي وكان مطمحا لجميع الشعراء مع إنه لا يلتفت للشعراء الجدد والتزم بمحاورة الشعراء المعروفين حفاظا على نهجه الشعري حتى وأن كلفه ذلك الاعتذار والانسحاب من الملعبة وهو القائل:
بعض خلق الله لو إنه حذفني ما حذفته
لأجل ما ودي مع الناس أتنقّد واتـزرّا
المقفّي ما تبعته والمغطّى ما كشفتـه
أترك المجنون لو يكشف ثيابه ويتعرّا

قصائد متنوعة
وفي شعر النظم والقصائد طرق أغلب أغراض الشعر كالغزل والنصح والحكمة والمديح وصدرت له دواوين عدة منها :(ديوان قصائد ومحاورات شعبية ) وديوان( جراح الأمس) وديوان( المغترة ) وأصدره ابنه العقيد فيصل رحمه الله على نفقة الأمير فيصل بن خالد أمير منطقة عسير.
ومن قصائده في الغزل:
غنيت من زين الطواريق طـاروق
قافٍ ليا قلتـه تنشـط طروقـه
لعيون غرو يشطح الشوق من فوق
يا جعل ضدات الدهـر ماتعوقـه
اللي ليا منه تمخطر مـع السـوق
يعمى بعينه كـل عيـن سروقـه
ماهو بمن برقا ولا هو بمـن روق
يشدى لغصـن لينـات عروقـه
طبٍ لقلب من هوى البيض محروق
والسعد قدامـه وتحتـه وفوقـه
وفي الحكمة:
اختـار سمحـات الــدروب النظيـفـه
اللـي غسلهـا رايـح المـزن بـرشـاش
يمشونهـا قــوم النـفـوس الشـريـفة
اللـي ضمايرهـم نقيـة كمـا الـشـاش
ابيوتـهـم مـثـل الحـصـون المنيـفـة
ما هـي لطيـر البـوم غيـران واعشـاش
وحلالـهـم للضـيـف دايــم مريـفـه
لو رجلهم يسـرح ويضـوي علـى مـاش
والرجـل منهـم مـا يخـلـي رديـفـه
إن ما ت مثله مات وان عـاش لـه عـاش
ومن المديح أبيات قالها مطلق الثبيتي في الأمير نايف بن عبدالعزيز:
ما كل نايف يلبس البشت نايـف
نايف ولد عبدالعزيـز المجـرب
خاض الجزيرة وامنت كل خايف
حث القدم فيها وشـرق وغـرب
وخلا كل اهل المشاكل ولايـف
والكل منهم من رفيقـة تقـرب
اللي نفاهـم ماعليهـم حسايـف
واللي تقرب مثل سيفـاً مـذرب
ويظهر الإيمان والثقافة الإسلامية والشعر الديني في وصية له من أبياتها ولعلها من آخر إنتاجه الأدبي:
يارب تحسن مماتي يوم وفاتي
نهار ماتجدي الدنيا ومن فيها
نهار ألاقيك في زحمات الامواتي
يوم الموازين توضع عند راعيها
تغفر ذنوبي وتسمح عن خطياتي
والنفس يارب للخيرات تهديها
ياعاقل اسمع وفكر في وصياتي
من شاعر جرب الهجرة وأهاليها
الأولة لا توانى في الصلواتي
نور على الوجه تشرح صدر راعيها
والثانية زك مالك كل حزاتي
يبارك الله في دنيا تزكيها
والثالثة كون حصن للأماناتي
حتى ترد الأمانة عند راعيها
والرابعة لاتوانى في الشهاداتي
أد الشهادة كما ماكنت توحيها
والخامسة عزوتك لوجاك ضداتي
أحمل جفاهم يلين كل قاسيها
ربعك حزامك لياجات الحفوفاتي
كل يبا ضدتك لوما يجزيها

شاعر فصيح
وعلى الجانب اللغوي والفصيح فالشاعر مطلق الثبيتي له قصائد ودواوين ومؤلفات في الشعر والنقد منها ديوان(أندلسيات) ومؤلفات أخذه الموت قبل نشرها وتناول الباحثون مسيرته الشعرية ومن أبرز ذلك رسالة ماجستير للباحث أحمد بن سعود العويس وأشرف عليها الدكتور إبراهيم بن فوزان الفوزان بعنوان( الشعر الفصيح لمطلق بن حميد الثبيتي دراسة وجمع ما لم يجمع منه) في في قسم الأدب بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وورقة نقدية للدكتور حمد الزايدي بعنوان( التجربة الشعرية عند مطلق الثبيتي) في النادي الأدبي بالطائف.
ومن قصائده بالفصحى ..
لا تنزع السهم من قلبي ومـن كبـدي
إني صنعت سخافات الهـوى بيـدي
مسترسلا فـي متاهاتـي ويسحقنـي
جهلي وقد أنقل العدوى إلى ولـدي
ويبعث الهم في روحـي وأنسجتـي
حتى انحنيت ودب الضعف في عضدي
فالأمس ولّى وما في الأمس من مرح
وأقبل الخوف من يومي وهم غـدي
ومن قصيدة أخرى يقول:
كانت على ضفة الوادي الكبير لهم
مجالس من رؤاها يرتوي الصادي
في ظلها يقـف التاريـخ منبهـرا
لرائـح مـن مغانيهـا وللغـادي
حين الرميكية الحسنـاء ابطرهـا
مشي على المسك والكافور والكادي
انتقل إلى رحمة الله بعد مرض لم يمهله طويلا في الولايات المتحدة الأمريكية ودفن بمكة المكرمة في الرابع من شهر ربيع الأول عام 1416هـ رحمه الله رحمة واسعة. وأسهم ابنه فيصل في حفظ إرث والده الثقافي والأدبي ولكنه توفي أيضا رحمه الله وأكمل المسيرة الابن الآخر ياسر بن مطلق الثبيتي ويعتبر الشاعر المعروف سلطان المنصوري من المهتمين بحفظ وإبراز قصائد وأشعار مطلق الثبيتي راعي الباكور وشاعر الحلبتين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store