Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

وفي الليلة الظلماء!!

هل يمكن للكاتبِ أنْ يكتبَ عكس قناعاته؟ نعم.

A A
هل يمكن للكاتبِ أنْ يكتبَ عكس قناعاته؟ نعم. وهذا المقال مثالٌ، فأقول: رغم قناعتي أن الرئيس مرسي ممتاز جدًّا، وأن الأمور السياسية إن استقرت فإن مصر ستنطلق معه إلى مستقبل صناعي مشرق، إلاّ أن الحياة السياسية بوضعها الحالي المضطرب، وحال الجهات القضائية بعد أن أصبحت مسيّسة، فإن طريق مصر هو غير ما أتمنى لها. إن الثورة أخرجت أجمل ما في أخلاق المصريين، لكن بعد ذلك فإن الفوضى السياسية أخرجت أسوأ ما فيهم.
كتبت في تويتر أن كل اضطراب يحدث بعد زوال ديكتاتور يتحمّل وزره الديكتاتور نفسه، فهو لم يترك وجوهًا سياسية لتظهر في الساحة حتى لا تنافسه. إن انعدم الضوء تعمل القوى السياسية في الظلام، وويل لأمة حراكها السياسي يتم في الظلام، ولا يسمح الديكتاتور بطبعه بقيام مؤسسات مجتمع مدني تضمن تماسك المجتمع في أزماته. وها هو ما يحدث في مصر الآن يثبت صحة ما قلت. إلاّ أن الأمر تعدّى المعقول بانفلات أمنى، وقضاء مسيّس شل الحياة السياسية من ناحية، ومعترض عليه من ناحية أخرى. فكل حكم قضائي به طرف كسب الواقعة، وطرف خسرها، فمن غير المعقول أن كلَّ مَن خسر في حكم قضائي يُحوِّل اعتراضه إلى شغب، وكلَّ مَن لم يرق له قرار يحرق مقرًا. فلم تعترض بعض قوى المعارضة على الحرائق والعنف، بل اعترضت على مواجهة العنف بما يلزم من عنف. إن بعض جهات المعارضة جعلت مصلحتها الآنية أهم من مصلحه مصر كلّها، وأهم من انطلاقتها نحو المستقبل، ولو انطلقت مصر لما توقّفت، وكذا فإن جماعة الإخوان المسلمين خانها تقدير الثقة الهائلة التي استقبلها المصريون بها. لذا إليك ما يعاكس قناعاتي إلاّ أني أراه مرحليًّا لازمًا. فما أتمنّاه لمصر الآن هو حكم عسكري مؤقت، لفترة 6 سنوات تُحلّ فيها كل الأحزاب السياسية، ويُعطَّل فيها الدستور لمصلحة (دستور ثورة)، مواده قسمان: الأول لإعطاء صلاحيات مطلقة لضبط الأمن، وإن كان لذلك ضحايا، فإن مستقبل مصر أكبر من أي قربات تُقدَّم في سبيله. والقسم الثاني هو الاستعداد لخلق حياة سياسية متوازنة بعد المرحلة الانتقالية، حياة سياسية، وأحزاب وطنية بمبادئ ديمقراطية قبل الهياكل الديمقراطية.
بل حتى القوانين أرى أن تُعطَّل، أو يُجمَّد العمل بها كمرحلة انتقالية، لمصلحة قوانين مختصرة، تضمن عودة الحياة الاقتصادية لمصر، وتضمن ألاّ يلجأ أحد للعنف. أي أن يحكم الجيش بقبضة حديدية. وأهم من كل ذلك أن يُؤمَّم الإعلام، فهو حسب قناعتي السبب الأساسي في تدهور أحوال مصر الغالية.
إن للجيش مكانةً عاليةً في الوجدان المصري؛ نتيجة حروبه السابقة دفاعًا عن الوطن، فتاريخه كله نضال مشرّف، لم تنطلق رصاصاته إلّا لحماية شعبه، بل هو الجيش الذي يُوصف بأنه معجون من طينة الشعب، لذا سيقبل الشعب منه ما لا يقبله من غيره.. إلاّ أن الأمر الهام (هو كذلك عكس المتوقع)، هو ألاّ يتم ذلك الحكم العسكري نتيجة طلب من الأحزاب السياسية، بل بمبادرة من كوادر الجيش التي لم يُلوّثها الحكم السابق بفساده. فلم يكن ذلك نظامًا فاسدًا، بل كان نظامًا فاسدًا مفسدًا، أفسد حاضر المصريين، وأفسد مستقبلهم أيضًا. والله إن غاليتي مصر تستحق أفضل ممّا هي عليه، ولديها كل القدرة أن تكون أفضل ممّا هي عليه. وما كتبته الآن هو عن حرقة قلب محب لمصر. فدون مكة والمدينة فمصر عندي هي الدنيا، كل الدنيا، وإني لأتعجَّب دومًا من نفسي، كيف تحوّل عندي حب مصر إلى عشق مصر.
هذا الحب يجعلني أكمل بقولي: مثل هذه الخطوة المؤقتة من الجيش يلزمها أمران في غاية الأهمية. الأول هو أن يبادر مباشرة للسعي للتنمية الاجتماعية، وملاحقة طلبات أساسيات حياة الفقراء، فهم في ضنك لا يحتمل معهم مجاملات أحزاب وألعوبات معارضة، والأمر الثاني أن يكون نزيهًا جدًّا نزاهة لا تشوبها شائبة تربُّح أو استغلال، أي مَن يأتي ليحكم ثم ليموت فقيرًا. أي باختصار فلتبحث مصر عن جمال عبدالناصر آخر.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store