Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أزمة ازدواجنا الثقافي

لا فرق لدي بين من يدعو ويحاول أن يعيش ثقافة تغريبية، وبين من يعيش حالة ممجوجة من الازدواج الثقافي، فالأول مرفوض كليا، لكونه يريد أن يسلخ مجتمعنا من هويته القومية وشخصيته الثقافية، لمجرد إحساسه بالإحباط، أو شعوره بالهزيمة أمام تفوق المُنجز الحضاري الغربي.

A A
لا فرق لدي بين من يدعو ويحاول أن يعيش ثقافة تغريبية، وبين من يعيش حالة ممجوجة من الازدواج الثقافي، فالأول مرفوض كليا، لكونه يريد أن يسلخ مجتمعنا من هويته القومية وشخصيته الثقافية، لمجرد إحساسه بالإحباط، أو شعوره بالهزيمة أمام تفوق المُنجز الحضاري الغربي. في مقابل ذلك، فليس من المنطقي والشكل الحضاري السليم أن يعيش المجتمع ضمن أجواء حالة من التناقض، جراء قبوله بسيطرة حالة الازدواج الثقافي على ثنايا مشهده الحياتي، بحيث يؤمن أبناؤه بواقع حياتي اجتماعي ثقافي من المفترض أن يكون، لكنهم بعد ذلك يمارسون واقعاً حياتياً آخر، وفي ذلك قمة التناقض المؤدي إلى حالة من مشاعية الفوضى الثقافية في المستقبل المنظور، وهو ما أخشى أن تكون له أبعاده السلبية على مفاصل مشهدنا الحياتي اجتماعيا وثقافيا على وجه الخصوص. ما يدعوني إلى القول بهذا راجع إلى ما شعرت به من تناقض غير مبرر في بعض آليات التنظيم الثقافي لفعاليات معرض الكتاب الدولي بالرياض، المنصرم قبل أيام قليلة، حيث كان القرار الموفق من قبل اللجنة المشرفة على المعرض بتحديد أيام متعددة للتسوق العائلي، سمة إيجابية للمعرض، انطلاقا من إيمانها الصحيح لمفهوم الاختلاط المحرم، الذي لا يراعي فيه المجتمعون القواعد الشرعية من آداب الحشمة، فكان أن عج المكان بالعديد من العوائل، نساءً ورجالا، صغارا وكبارا، ودون أن يعيش المجتمعون حالة من الوسوسة الشيطانية، أو تتحلل قيمهم الأخلاقية لمجرد التلاقي، وهو ما يحسب للمعرض حقا، الذي أثبت لأولئك المتنطعين، أننا مجتمع لازال يتملكه الكثير من صفات المروءة والنخوة والشرف. في ذلك المعرض يمكنك مشاهدة النساء والرجال يسيرون أفرادا وجماعات، ودون أن ينظر أحد إلى الآخر بعين الريبة، ودون أن يضايق أحدٌ أحداً بنظرة قميئة، أو لفظة مشينة، أو لمسة ما أنزل الله بها من سلطان، فكان حقا مشهدا حضاريا يستحق التأمل بكل فخر واعتزاز، لكنَّ هذه الصورة الحضارية الرائعة سرعان ما تتهدج أوتارها، حين ينتقل المشهد إلى صالة المحاضرات بالمعرض، تلك الصالة الفريدة من نوعها من حيث جمالية المكان، وروعة الديكور، ودقة التقنية، حيث يتم التفريق بين جمهرة المثقفين والمثقفات بشكل متعسف، إقصائي في حدته، بحجة منع الاختلاط، وهو قمة حالة الازدواج الثقافي المعاش، وبخاصة ضمن إطار المجتمع الثقافي، الذي يمثل أبناؤه هرم الوعي والإدراك، على أن الأمر لا يتطلب كل هذا الإخفاء البصري، ويمكن معالجته بشكل حضاري غير مخل، بأن يتم تقسيم الصالة إلى قسمين متوازيين. وليت الأمر مقتصر على ذلك وحسب، بل إننا نكاد نمارس هذه الحالة من الازدواج في عديد من أمورنا الحياتية العامة، ومنها ما هو متعلق بالنسق الثقافي، فمثلا تقرر جميع تعريفات الثقافة بأن الفنون بمختلف أشكالها من موسيقى، وأهازيج شعبية، وتصوير، ورسم تشكيلي إلخ، من أهم أعمدة المشروع الثقافي لأي مجتمع على هذه البسيطة، كما أن عددا غير قليل من فقهائنا التشريعيين، ومن مختلف المذاهب الإسلامية قد أقروا إباحة الغناء والاستماع إلى الآلة الموسيقية، بحسب ما دلل عليه كثير منهم، ورصده الدكتور سالم الثقفي في كتابه «أحكام الغناء في الإسلام»، وعلاوة على ذلك فإن جانبا من ثقافتنا الدينية قد استند في توشيحاته الربانية، وتبتلاته الإلهية، على مختلف الأهازيج والمقامات الشرقية الراقية، بل إن أقدس ما يتماس المسلم معه في اليوم والليلة، وهو الآذان، يقوم على تشكيلة متنوعة من تلك المقامات، وفوق كل ذلك فقد أصبح الاستماع للسلام الوطني من أهم الواجبات الوطنية، في مقابل ذلك فإن الساحة الثقافية تخلو من أي معهد موسيقي متخصص يعمل على تنمية وتطوير فنوننا الشعبية الأصيلة، ونقلها إلى العالمية، ويهتم بتطوير الذائقة السمعية بين أبنائنا على مختلف أعمارهم. أليس في ذلك قمة ما نعيشه من ازدواج ثقافي؟!. بقي أن أقول بأن ما سبق كان لب مداخلتي في مشاركتي، بدعوة كريمة من نادي جدة الأدبي، في اللقاء الثقافي مع معالي وزير الثقافة والإعلام على هامش فعاليات المعرض، التي حجبها تغافل مدير الجلسة الأستاذ الأديب حمد القاضي دون قصد أو إرادة بحسب قوله لي، وأنا مؤمن بقوله مصدق له.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store