Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حملة وزارة العمل .. خلل مزدوج وثمن يُدفع مرتين

أفصحت الحملة التي قامت بها فرق التفتيش المشتركة التي فعّلتها وزارة العمل عن واقع غير صحي و مختل لأوضاع العمالة في البلد ..

A A
أفصحت الحملة التي قامت بها فرق التفتيش المشتركة التي فعّلتها وزارة العمل عن واقع غير صحي و مختل لأوضاع العمالة في البلد .. والمتأمل سيجد أن الحملة تثبت أن لدينا خللاً مزدوجاً في أوضاع العمالة ؛ استفادت منه المؤسسات الوهمية و تجار التأشيرات من جهة ، وعانت منه مؤسسات القطاع الخاص الجادة من جهة أخرى. وأعني به أن لدى هذه الأخيرة عجزاً كبيراً فيما تحتاجه من عمالة تضطر إلى سده من فائض عمالة المؤسسات الوهمية وتجار التأشيرات.
بمعنى أن مؤسسات القطاع الخاص الجادة تطلب تأشيرات لسد احتياجاتها فتُعطى أقل مما تحتاجه جزافياً يصل أحياناً إلى أقل من عُشْر الحاجة .. وفي المقابل تتمكن مؤسسات القطاع الخاص غير الجادة والوهمية من الحصول على ما تطلبه من تأشيرات لتبيعها و تترك عمالتها تعمل لحسابها في سوق العمل وهذه هي العمالة السائبة.. وهذه النتيجة التي وصلنا إليها و كشفت عنها الحملة الأخيرة هي بسبب عدم واقعية قرارات الجهات المعنية بالسعودة ومنح التأشيرات وهو ما حذرت منه -وغيري- مراراً خلال السنوات العشر الماضية .. فلو أن تلك القرارات لامست الواقع وحصلت المؤسسات الجادة على حاجتها الحقيقية من العمالة لما وجدت العمالة السائبة فرص العمل المتاحة لها بالحجم الذي كشفته الحملة ولما وجد تجار التأشيرات هذه الفرص الكبيرة في بيع تأشيراتهم و لما استمروا في استغلال تلك العمالة والإساءة لسمعة البلد و التسبب في تآكل منظومة القيم والأخلاق في المجتمع بتحويل قطاع معتبر منه إلى عالة وطفيليين يقتاتون على جهود الآخرين ..
وأيضاً الحملة كشفت عن خلل وضع المهن التي تعمل فيها العمالة ، فغالبية العمالة حالياً تعمل في مهن غير تلك المسجلة في إقاماتهم ورخص عملهم بسبب القرارات غير الواقعية التي حظرت وظائف على الوافدين في الوقت الذي لا يوجد سعوديون بأعداد كافية لسد حاجة السوق منها ، وهو أيضا ما تكررت المطالبة بتصحيحه ولم يُستجب لها.
وفي تصوري أن المعالجة التي يجب أن تتم وفوراً ودون إبطاء تكون على محورين ، الأول: فتح الباب أمام تصحيح أوضاع العمالة بنقل الكفالات من المؤسسات الوهمية إلى الجادة ، و تذليل عقبة نظام نطاقات الذي سيمنع التصحيح إلاّ إذا تم تخفيض نسب التوطين بما يسمح بالتصحيح خصوصاً في قطاعات كالمقاولات و التشغيل والصيانة و الخدمات ، أو بتحييد ما يتم نقله من كفالات تصحيحاً للأوضاع المختلة من نسبة التوطين لفترة كافية وواقعية ، و إدخالها في النسبة بشكل تدريجي.
الثاني: تصحيح وضع المهن من خلال إلغاء قوائم الوظائف المقصورة على السعوديين ، والسماح بتصحيح المهن وبدون رسوم لأن وضع المهن الحالي هو نتاج أنظمة غير واقعية ، و بالتالي ينبغي أن يكون التصحيح بدون كلفة تشجيعاً للعاملين و المؤسسات ، أو حتى تحريرها تماماً بالنسبة للأعمال البسيطة المتشابهة التي يمكن أن ينتقل بينها العامل أو الموظف بحسب حاجة العمل مثل المهن التي تبدأ بكلمة عامل ، أو المهن الكتابية و الحسابية و الإدارية.
إن المؤلم أن القرارات غير الواقعية يدفع ثمنها المجتمع مرتين ؛ مرة عند تطبيقها قسراً وبغير واقعية ، و أعظم الأثمان هنا هو التدمير الشامل لمنظومة أخلاق المجتمع بدفع مجموعات عريضة من أفراده للكذب والاحتيال والتزوير والرشوة للحصول على بعض حقه ، والمرة الثانية عند معالجة نتائجها المتمثل في نتائج الحملة الأخيرة التي عطلت وأربكت العديد من المؤسسات الحيوية مثل المدارس الأهلية والمحلات التجارية و شركات المقاولات التي تنفذ العديد من مشاريع البنى التحتية والفوقية في البلد .. بل حتى أهم الموانىء و هو ميناء جدة الإسلامي تعطلت أعمال التفريغ و مشاريع الإنشاء بداخله ..
و إن تحدثنا عن الأولويات فإن الأولوية هي لاستكمال حملات تصحيح أوضاع العمالة التي لا تحمل هويات أولاً قبل البدء في ترحيل من لديه إقامة نظامية وخالف في مكان عمله أو عمل في مهنة غير المسجلة في رخصة عمله.
وقد استبشرنا ببدء حملة تصحيح أوضاع الجالية البرماوية و نتطلع كثيراً لبدء معالجة الجالية الكبرى الأخرى وهي الجالية الأفريقية. ففي معالجة أوضاع هذه الجاليات الكبرى علاج جملة من الإشكالات الكبرى ومن بينها تحويلها لطاقات إيجابية منتجة و سد حاجة السوق منها والحد من الاستقدام من الخارج بشكل تدريجي وصولاً به إلى حده الأدنى. و الله هو الملهم الصواب
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store