Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

سلوة الأنفاس في البحث عن الكتب ومحادثة الأكياس!

الترحُلُ والتنقلُ في أرضِ اللِه الواسعةِ كان سمِةً وعادةً لكثير الناس قديمًا ولأغراضٍ متعددة: منهم منْ يسافرُ لطلبِ العلم والتزود منه، والبحث عن فنون جديدة ليست في أهل بلده، ومنهم من يسافر للتجارة وطل

A A
الترحُلُ والتنقلُ في أرضِ اللِه الواسعةِ كان سمِةً وعادةً لكثير الناس قديمًا ولأغراضٍ متعددة: منهم منْ يسافرُ لطلبِ العلم والتزود منه، والبحث عن فنون جديدة ليست في أهل بلده، ومنهم من يسافر للتجارة وطلب الرزق، ومنهم من يسافر ليلتقي بذوي الحجى والفضل والعلم، ليسعد وينعمَ بمحادثتهم ومذاكرة نوادر العلم معهم. ولكلٍ وجهةٌ هو موليها.
ومنْ جرّب فوائد السفر عرف متعة ذلك وفائدته الفكرية والثقافية، وفي زيارتي الأخيرة للمملكة المغربية لزيارة معرض الكتاب الدولي في الدار البيضاء، يسّر الله لي وبمعية إخوة فضلاء من علماء ذلك البلد زيارة بعض المدن العريقة والتليدة، ومنها مدينة (فاس) وهي من أقدم مدن العالم، حيث عُمِرت قبل ألف ومئتي عام هجري، وبها جامع القرويين العتيق الذي بنتُه سيدةٌ عظيمة من سيدات المسلمين وهي فاطمة الفهرية القرشية سنة 245هـ.
وأنشئت بجانبه أقدم جامعة في العالم، جامعة القرويين، والتي صنفت في موسوعة غنيس كأقدم جامعةٍ في العالم!
وفاس تعرفُ قديمًا بمدينة العلم والعلماء، ولا يزال جامع القرويين تُدرس فيه العلوم اللغوية والشرعية الأصلية على نمطها القديم حيث لكل شيخٍ كرسي وحوله عشرات الطلاب، وقد وقفتُ على هذا بنفسي، وعادت بي الذكريات لما كنا وما زلنا نقرأه في كتب التراجم والتاريخ عن الجوامع الإسلامية ودورها في نشر العلم!
والتقيتُ برئيس جامعة القرويين العالم المغربي الكبير أ. د. محمد الروكي صاحب كتاب: نظرية التقعيد الفقهي، بلطافتهِ وأدبهِ وتواضع العلماء الكبار! في معية كوكبةٍ من علماء القرويين الأفاضل، في جلسةٍ علميةٍ تذاكرنا فيها جملًا من نوادر المسائل عند المغاربة وأشهر كتبهم ومؤلفاتهم، فكانت بحق من متعة هذه الزيارة العلمية.
ويسّر اللهُ لي أن أجدَ كتابًا نادرًا من كتب تاريخ المغاربة -سمعتُ عنه قديمًا- وهو كتاب (سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أُقبِر من العلماء والصلحاء بفاس) للشريف المؤرخ أبي عبدالله محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة 1345هـ، وقد سألتُ عنه علماء فاس فأخبروني أنه نادر وطبع قديمًا، إلا أن الله يسّر فوجدتهُ في مكتبةٍ في الدار البيضاء مما أنساني تعبًا عظيمًا كنتُ أشعرُ به في ذلك اليوم! وهكذا الكتبُ تصنعُ بمحبيها!
والجميل في مدينة فاس ومدن المغرب كلها أنها عُمرت حديثًا على أسس البنايات التاريخية القديمة، فلم تُهدم أسوارها ولم تُخفَ بوّابتُها، فتجد المدينة الحديثة تقبع خلف بعض الأسوار القديمة التي بنتها دولٌ إسلاميةٌ متعاقبة ويكون دخول الناس للمدينة من تلك البوابات القديمة! في منظرٍ جمالي هندسي بديع يُشعرك بعظم العمارة الإسلامية وشموخها!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store