Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أيُّها المتحدثون.. تحدّثوا واستغفروا!

قديمًا كانت العربُ ترى اللحنَ ذنبًا تستغفر اللهَ منه! بل كان بعضُهم يقول: كنّا نرى اللحنَ في الكلام كالجُدري في الوجه!!

A A
قديمًا كانت العربُ ترى اللحنَ ذنبًا تستغفر اللهَ منه! بل كان بعضُهم يقول: كنّا نرى اللحنَ في الكلام كالجُدري في الوجه!! واللحنُ المقصودُ به هنا هو: الخطأ الذي يجري على لسان المتكلّم، فيُخطئ في الإعراب، ويُخالفُ وجهَ الصواب.
وكان المسلمون ووجهاؤهم، وسُراتهم، وأشرافهم يتحرّجون، ويخشون من الوقوع في اللحن، أو أن يرتُجَ عليه فلا يُفصح ولا يبين، وكانت هذه الخشية ترتقي لمرتبة الهمِّ الذي يرجون دفعه، أو الوسوسة التي يتعوذون منها!
كل ذلك وغيره من أخبارهم وأقوالهم، سببه وباعثه تلك الهيبة التي استقرت في قلوبهم وعقولهم للغة القرآن، للغةِ التي اصطفاها الله واختارها لتكون لغةَ كلامهِ الشريف، ولسانَ شرعهِ الحنيف!
لذلك كان الرجلُ قد تعجبُهم هيئتُه، أو يغرّهم منظره، حتى إذا ما سمعوا نُطقَه، وعرفوا منطقه نزلت مرتبته إن كان لحّانًا، أو لا يحسنُ الحديثَ!
ومع هذه المسلّمات التي لا خلاف فيها: أن اللغة العربية لغةُ الشرع، ولا يفهم القرآن والسنةُ إلاّ بهما، وأن اللغةَ هوية وتاريخ وحضارة، وأن رعايتها واجب شرعي وأدبي وثقافي وحضاري، مع هذا كله؛ فإنّ الواقعَ يُنبئُ ويشيرُ إلى خلاف ذلك تمامًا!
ولا نحتاج إلى كبير عناء للتدليل على هذا الواقع!
فانظر إلى واقع كثير من طلابنا في المدارس والجامعات، بل وحتى في الدراسات العليا، وانظر كيف يتحدّثون؟ ومستوى التزامهم ومعرفتهم بالقواعد البدهية والأساسية بالنحو والإعراب! وكأنّهم ما درسوا ولا تعلّموا؟ ولا أدري أين كان الخلل؟ فيهم، أو فيمن علّمهم، أو في مناهجهم؟ أم في هذا كلِّه؟!
بل والمصيبةُ التي لا تُغتفر، والداهيةُ التي لو حضرها وعاينها سيبويه أو الخليلُ لماتَ كمدًا أو احتضَرْ!! عندما تشهدُ حفلًا أو مؤتمرًا فيقوم صاحب السعادة مثلًا، فيتحدّث في الناس بكلمةٍ مطبوعةٍ مكتوبةٍ؛ فلا يفُرِّقُ بين فاعلٍ ومفعولٍ، أو جارٍ ومجرور، فيذهُب على المستمعين لذة الاستماع، وجمال الكلمات! بل إن بعضَ هؤلاء يُمثِّلون جهاتٍ علميةً، أو وزاراتٍ تعليميةً عُليا!! ومنْ مأمنهِ يُؤتى الحَذِر!!
وكم -والله- أوقعنا هؤلاء المتحدّثون، أو اللحّانون في حَرجٍ وضيق أمام غير العرب من الذين يُحسنون من لغتنا ما لا نُحسِن، فيستغربون ويندهشون ويسألون؛ مَنْ العجم نحن أم أنتم؟!
إني -وبكل صدقٍ وجدـ أدعو كلَّ منْ يتصدر المنابر من خطباء أو دعاة أو وجهاء أو أصحاب السعادة أن يتقوا الله في لغتهم، وفي أسماعنا، وأن يجتهدوا في فهم أساسيات اللغة والنحو، فإن لم يفعلوا فلا أقلّ من أن يدفعوا خطبهم وكلماتهم لمنْ يضبطها لهم، فيضبطوا هم ألسنتهم.
وأرجو أن يكون هناك انتفاضةٌ علمية وثقافية حقيقية وجادة تعيد للغةِ مكانتها وأهميتها، وأن يكون تدريس اللغة بأسلوبٍ محبب لنفوس الناشئة، وأن تكون هناك جدية في جامعاتنا بحيث تُعطى مادة النحو القدْر اللائق من الاهتمام، حتى لا يتخرّجَ طالبٌ إلاّ وقد أجاد أساسيات وبدهيات قواعد النطق السليم على الأقل.
وفي نهاية القول: إن المنطق السليم واللغة الصحيحة هما عنوان المتحدِّث، فليختر كلُّ متحدِّثٍ العنوان الذي يُناسبه!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store