Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حصار الفساد وتبعاته

ينتابني شعور بالضيق مما ألحظه من سرعة تنامي الفساد وشدة بأسه ومن جرأة الفاسدين .. فأينما يولي الإنسان وجهه يجد من الفساد والفاسدين ما يعكر صفو حياته ..

A A
ينتابني شعور بالضيق مما ألحظه من سرعة تنامي الفساد وشدة بأسه ومن جرأة الفاسدين .. فأينما يولي الإنسان وجهه يجد من الفساد والفاسدين ما يعكر صفو حياته ..
وحديثي اليوم عن الفساد بأنواعه الرئيسية الثلاثة الأخلاقي و الإداري والمالي .. والتي هي في الواقع من منبع واحد وهوالفساد الأخلاقي فلولاه لما وجدنا فساداً إدارياً ولا فساداً مالياً .. فالأخلاق تشكل وزاعاً ومانعاً من وقوع الفساد بكل أنواعه ..
فلو نظرنا للفساد الإداري الذي تعرفه منظمة الشفافية الدولية بأنه «كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته» ويعرفه آخرون على أنه «فقدان السلطة القيمية وبالتالي إضعاف فاعلية الأجهزة الحكومية» سنجد أن منشأه وأساسه الفساد الأخلاقي وهو كذلك متشابك حد الاتحاد مع الفساد المالي.
فما أن تغادر منزلك حتى تواجه بصنوف من الفساد ، فإن كنت ستستخدم النقل العام فستجد شبكة نقل عام من أسوأ ما يمكن أن تستخدمه ، ووراء سوئها فساد إداري عميق ، و ان استخدمت سيارتك فسينالك من أباطرة الترويع على طرقنا ما ينالك ، وستقع بسيارتك في كم لا محدود من الحفر والمطبات الطبيعية والصناعية ، وستقع بناظرك على مشاهد المخلفات والقاذورات وكل ذلك وراءه مجموعة من سلوكيات الفساد الأخلاقي وممارسات الفساد الإداري العميق ..
إن راجعت جهة خدمية فقل أن تذهب قبل أن تبحث عن واسطة أو معرفة للحصول على حقك و لا شيء غيره .. وسواء كنت طالب خدمة أو مقدمها ..
فإن طلبت خدمة جابهك سماسرة الفساد في شبكة منظمة من العلاقات بين من يعملون داخل بعض الجهات كموظفين وآخرين من خارجها كمعقبين .. و إن كنت مقدم خدمة واجهك بعض موظفي تلك الجهات بالمطالبة بالعمولات -والتي هي في الحقيقة رشوة- لكي يفسحوا لك المجال ويمكنوك من تقديم الخدمة أو توريد المنتج الذي تحتاجه الجهة ، و إلاّ فليس أمامك فرصة لتقديم خدماتك أو بيع منتجات لتلك الجهة ..
وهذه الممارسات الفاسدة استشرت في السنوات الأخيرة بشكل مخيف ومزعج ، والملفت أنه لا خوف لدى هؤلاء الفاسدين من المحاسبة والمساءلة وأصبحت مطالبهم مكشوفة في مشهد يدل على أنهم يشعرون بأمان عززه لديهم -فيما يبدو- ما كشفت عنه هيئة مكافحة الفساد من تراخ في ملاحقة الفاسدين وكبرائهم ، و تركيز على النصائح والتوعية ..
وهو ما سبق لي التحذير منه قبل عدة سنوات في مقال نُشر بتاريخ 4/7/1429هـ بعنوان (قبل أن يتحول الفساد الإداري إلى إدارة للفساد!!) قلت فيه أن بطء التحرك في مكافحة الفساد يُفسح المجال لتطور الفساد الإداري إلى مرحلة أكثر خطورة ، و هي مرحلة (إدارة الفساد) ، والتي من أشكالها تكوّن شبكات من المفسدين ، المنتشرين في أجهزة حكومية وأهلية ، بما فيها تلك المسئولة عن حفظ النظام و تطبيق القانون ، و يمارسون أنواعاً من التنسيق فيما بينهم ، من خلال الأنظمة ، تعديلاً وإخفاءً وتطبيقاً ، وتشديداً ، ليضيقوا الخناق على فرائسهم من الناس والمؤسسات ، ويجبروهم على الانصياع لمطالبهم ، أوعلى الأقل يفقدوهم الأمل في وجود من ينصفهم ، وهو شعور في غاية الخطورة.
إن الفساد من أكثر ما يهدد أمننا الاجتماعي والاقتصادي و حتى السياسي ، والتراخي في مكافحته ومكافحة مسبباته يعنى المزيد من الاختلالات والمزيد من عدم الشعور بالمواطنة و الانتماء ..
و من أعظم مسببات الفساد عدم الشفافية وتعقيد الإجراءات و هو للأسف ما تمارسه بعض جهاتنا الحكومية ..
و أختم بمثال صادفني في الأيام الأخيرة عند مراجعتي لشركة المياه الوطنية بعدما علمت أن تكاليف ربط عمارة مكونة من عشرة أدوار بالصرف الصحي -فقط غير دخولية المياه- سوف يكلف حوالي مائة وأربعين ألف ريال فذهبت غير مصدق للخبر فإذا بي أجد أن التكاليف مقسمة إلى ثلاثة أقسام الأول رسوم خدمة تجاوزت 36 ألفاً و تكاليف حفرية تجاوزت 42 ألفاً و رسوم للربط بخطوط الصرف 60 ألفاً تم فرضها بقرار من مجلس إدارة الشركة ، و هذا كله غير الرسوم الشهرية التي ستُدفع وفقاً للاستخدام. ولمست كيف يمكن ان تفتح هذه الرسوم المُبالغ فيها أبواباً للفساد..
ولذلك أتمنى أن نرى دوراً للجهات الرقابية ومكافحة الفساد في هذه الحالة وأشباهها من أجل إزالة التعقيدات و مسببات الفساد .. والله ولي التوفيق
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store