Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مرسوم نانت والصراع على الهوية

يمثل مرسوم نانت الذي وقَّعه ملك فرنسا هنري الرابع في مدينة نانت بتاريخ 13 أبريل 1598م، أول اعتراف رسمي بحتمية التسامح الديني في أرجاء القارة الأوروبية، مؤذنًا نهاية عقود من الحرب الجائرة بين أتباع الم

A A
يمثل مرسوم نانت الذي وقَّعه ملك فرنسا هنري الرابع في مدينة نانت بتاريخ 13 أبريل 1598م، أول اعتراف رسمي بحتمية التسامح الديني في أرجاء القارة الأوروبية، مؤذنًا نهاية عقود من الحرب الجائرة بين أتباع المذهب الكاثوليكي والبروتستانتي. وقد نص المرسوم على إقرار حرية المعتقد والعبادة، ومساواة البروتستانتيين من الناحية الاجتماعية والسياسية مع الأغلبية الرومانية الكاثوليكية. وكانت الحرب المستعرة قد ابتدأ لهيبها سنة 1562م، خاض خلالها الفرنسيون ثمانية حروب عنيفة، أكلت الأخضر واليابس، ودمرت الكثير من مكتسبات الدولة الفرنسية، وساهم تدخل مملكتي إسبانيا وإنجلترا السلبي فيها، في زيادة أوارها، واشتعال سعيرها، حيث عملت المملكتان على دعم استمرار الصراع هنا وهناك بقصد إضعاف المملكة الفرنسية واقتطاع بعض أجزاء من أراضيها، وساعد ذلك إن كان الفرنسيون أنفسهم منقسمين إلى فريقين متناحرين، وهو ما أحال أرضهم لما يزيد على الثلاثين عامًا إلى ساحة معركة بين الفرقاء الفرنسيين من جهة، وبين مملكة إنجلترا الداعمة للبروتستانت ومملكة إسبانيا الداعمة للكاثوليك من جهة أخرى.
تجدر الإشارة إلى أن جوهر تلك الحرب المدمرة كان الصراع العبثي على الهوية الدينية، التي وعى الفرنسيون ولكن بعد خراب مالطا كما يقال، صعوبة زحزحة قناعات بعضهم البعض في ذلك الجانب الإيماني، لكونه ممّا يُعتمل في النفس، ويُشكل قاعدة خلاص ذاتية تحكم العلاقة بين الفرد وما يعبد، وهو أمر جِبلـِّي في الذات الإنسانية منذ ابتداء مشوارها على البسيطة. وفي المقابل أيقن الفرنسيون ولكن بعد أن قدموا فاتورة كبيرة من دمائهم ودماء أبنائهم وأهليهم، وبعد أن استنفدوا كل قواهم، ورأوا مكتسباتهم المادية تتهاوى أمام أعينهم بفعل القتل والتخريب والتشريد، أيقنوا بأن الصراع الإيجابي هو ذلك الذي يبحث في تعدد الرؤى حول طبيعة المشروعات السياسية والاقتصادية المقدمة للناس، وهو الذي يرتكز على ترسيخ مختلف المفاهيم الحقوقية، ويعمل على تأسيس ثقافة العدل وتحقيق مبدأ المساواة بين مختلف أطياف المجتمع، بغض النظر عن هوياتهم الدينية، واختلاف طبقاتهم الاجتماعية، فالناس سواسية أمام سلطة القانون.
والسؤال: هل يحتاج عالمنا العربي اليوم إلى حرب طائفية مقيتة، ليصل أبناؤه إلى إقرار مرسوم نانت بصيغته العربية؟ أين هي مشروعات الأمة السياسية والاقتصادية اليوم، التي تعمل على إيجاد رؤية وطنية جامعة في عديد من بلدان الربيع العربي، وتمكن أبناءه من تحسين مستوياتهم المعيشية؟ ما أحوجنا اليوم مثقفين وإعلاميين وسياسيين وعلماء للتكاتف لوأد كل الخطابات الطائفية والعرقية، من أجل بناء مستقبل مشرق لعالمنا على أقل تقدير. وذلك جوهر دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، فهل نحن على قدر المسؤولية؟!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store