Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مصر : ماذا بعد ؟ 1-2

كنت ولا أزال متفهماً لرغبة الشارع المصري الجارفة في التخلص من حكم الإخوان للعديد من الأسباب ، ومن ضمنها افتئات السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ، والإصرار على الانفراد بصياغة الدستور الذي أعقب

A A

كنت ولا أزال متفهماً لرغبة الشارع المصري الجارفة في التخلص من حكم الإخوان للعديد من الأسباب ، ومن ضمنها افتئات السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ، والإصرار على الانفراد بصياغة الدستور الذي أعقب ثورة لم يكونوا هم من أشعلها ، ولم يحتكروا وحدهم شرف تأييدها .
المسألة لم تقف عند حدود ما سبق وذكرت ، فقد تسبب الإخوان خلال العام الأول من حكمهم في حدوث كوارث اقتصادية وأمنية وسياسية كان من أخطرها ما تعرض له أمن مصر المائي من تهديد على يد أثيوبيا . وهو التهديد الأكبر في هذا المجال ، منذ عهد الفراعنة وحتى الآن . أما من ناحية السلم الأهلي والمحافظة على النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية ، فقد مارس الإخوان وحلفاؤهم ، الشحن الطائفي البغيض عبر خطابهم السياسي الذي لم ينظر يوماً للمسيحيين باعتبارهم شركاء في الوطن .
أيضا فإنني أتفهم تماماً مطالبة الشعب المصري بإسقاط نظام الإخوان ، لأنه يدعي أنه يمتلك حقاً إلهياً في الحكم ، ويقدم نفسه بوصفه صاحب التوكيل الحصري للإسلام . لكنني ومع كل ما سبق ذكره ، أخشى على المصريين فعلاً من النظر إلى إسقاط حكم الإخوان بوصفه غاية في حد ذاتها وباعتباره روشتة العلاج الكفيلة بتحقيق الخلاص .
الملايين الذين يحتشدون الآن في شوارع معظم المدن المصرية ، سينجحون في إسقاط حكم الإخوان مهما كان الثمن.. المسألة أصبحت مسألة وقت ليس إلا .. أقول ذلك بيقين ليس فقط لأنني أراهن على الشعب ، ولكن لأنني أراهن أيضاً على صلف الإخوان وغرورهم وانسداد أفقهم السياسي . لكن ماذا بعد ؟
الملايين التي تحاول استعادة ثورتها ممن سرقها واستغلها ، لا يجمع بينها الآن سوى هدف واحد هو إسقاط الإخوان . وهنا تبرز الحاجة لوجود دور واعٍ للنخب السياسية في مصر ، فهل هناك وجود حقيقي لنخب قادرة على ملء الفراغ وقيادة البلاد إلى بر الأمان ؟!
حتى الآن لم ألاحظ أن النخب التي تطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة قد وعت الدرس واستفادت منه . الثورة في مصر لن ينقذها انتخاب رئيس للجمهورية .. البداية يجب أن تكون من صياغة دستور يؤسس لقيم الدولة المدنية ويشكل ملامح النظام الجمهوري الجديد بشكل لا يقبل اللبس ، فأين النخب من مثل هذا الطرح ؟!
أهداف أو غايات أية ثورة لا تتحقق إلا من خلال صياغة دستور يمثل مرجعية للعمل السياسي ، ويحدد تفاصيل العلاقة التعاقدية بين الدولة والشعب ، ويضع أطراً قانونية لمفهوم الحقوق والواجبات . بدون ذلك ستكون هناك قابلية دائماً لإشعال أزمات سياسية تتعلق بمدى شرعية مؤسسة الرئاسة حتى ولو كانت منتخبة .
مشكلة النخب السياسية في مصر أنها وفي سبيل حشد أكبر كم ممكن من الشعب ، تنازلت عن تقديم رؤية واضحة لمسألة الدستور الذي يجب ألا يكتفي بإقرار مدنية الدولة فقط ، بل يجب أن يراعي أيضاً حاجة الشعب الذي تتكون أغلبيته الساحقة من الفقراء ، إلى العدالة الاجتماعية . فهل يصح تأجيل قضية على هذا القدر من الأهمية على اعتبار أن إسقاط الإخوان هو الأهم ؟!
يتبع .

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة