Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مصر : ماذا بعد؟ 2-2

تحدثت في مقال الأمس عن مدى تفهمي لسعي الغالبية الكاسحة من الشعب المصري لإسقاط حكم الإخوان ، لكنني قلت أن ذلك لن يكون مجدياً في ظل عدم وجود مشروع واضح المعالم لإقامة دولة مدنية تكون الأمة فيها مصدراً ل

A A
تحدثت في مقال الأمس عن مدى تفهمي لسعي الغالبية الكاسحة من الشعب المصري لإسقاط حكم الإخوان ، لكنني قلت أن ذلك لن يكون مجدياً في ظل عدم وجود مشروع واضح المعالم لإقامة دولة مدنية تكون الأمة فيها مصدراً للسلطات ، مع مراعاة الحاجة الماسة لتحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية ، وتضمين الدستور ذلك المطلب الذي يصل حد الضرورة .. أعني طبعاً العدالة الاجتماعية .
من ناحية أخرى فإن الواجب على المعارضة أن تراعي حاجة مصر لتبني مشروع استراتيجي متكامل يحدد معالم النظام وتوجهاته على الصعيد الخارجي وليس على الصعيد الداخلي وحده . بمعنى آخر فإنني أقصد أن تقوم المعارضة بإعداد تصور أو صياغة مشروع ، يراعي حاجة مصر لاستعادة ثقلها ودورها الخارجي الذي فرضته عليها حقائق الجغرافيا والتاريخ والديموغرافيا والإرث الحضاري والتأثير الثقافي والمعرفي .
مصر دولة إقليمية كبرى ، هذه حقيقة لا مراء فيها ، والقوى الإقليمية الكبرى تحتاج إلى عمق استراتيجي وفضاء جغرافي خارجي واسع يمكنها من ممارسة التنفس بشكل طبيعي . مما يعني ببساطة أن أي توجه مصري للانطواء والانكفاء على الذات سيعود على مصر قبل غيرها ، بالضرر . فما هي رؤية النخب المصرية التي تقود الحشود في الشارع ، لهذه المسألة ؟
ليست هناك ثورة ، وخصوصاً عندما تحدث الثورة في بلد يعد قوة كبرى حسب المعايير الإقليمية ، بدون رؤية واضحة ترسم مسار العلاقات والتحالفات الإقليمية والدولية ، وتحدد موقفها من كل ما يخص العمق الاستراتيجي الكبير ، وهو في الحالة المصرية طبعا : الوطن العربي .
ما أطرحه الآن ليس له علاقة بالرغبة في منح المشهد مزيداً من التعقيد . المشهد فعلاً معقد ، والسبب في ذلك يعود إلى أن النخب السياسية والفكرية في مصر ما زالت تتهرب من القيام بمسؤوليتها في صياغة مشروع يأخذ بعين الاعتبار مصالح مصر الاستراتيجية ، ويجيب عن الأسئلة المتعلقة بشكل النظام وماهية الدولة وهويتها وتوجهها الاقتصادي .
في دولة إقليمية كبرى كمصر يتوقف أسلوب إدارة الشأن الداخلي ، على المواقف التي يتبناها النظام تجاه القضايا الإقليمية . المسألة متداخلة بطبيعتها بالنسبة للقوى الإقليمية الكبرى .. وبالنسبة لمصر تحديداً فإن تحول البوصلة في عهد الرئيس السادات إلى وجهة أخرى بعيدة تماماً عن فلسطين ، كان لا بد وأن ينتج عنه سحق الطبقة المتوسطة ، وزيادة معاناة الفقراء ، وظهور الطبقات الطفيلية من أغنياء الانفتاح ، وغياب أي مظهر من مظاهر العدالة الاجتماعية . أما فيما يخص الهوية الوطنية ، فقد أدى تحويل بوصلة مصر من فلسطين ، إلى ظهور خطاب رجعي معادٍ للعروبة نتج عنه قمع أي مظهر من مظاهر التحرر ، وبذر بذور الفتنة الطائفية ، والعبث بالنسيج الاجتماعي القائم على التنوع ، مما أدى في نهاية الأمر إلى اغتيال السادات نفسه على يد الجماعات التي أطلقها هو من جحورها .
المعارضة يجب أن يكون لها مشروع متكامل يجيب عن جميع هذه التساؤلات ، فهل تمتلك المعارضة مثل هذا المشروع ؟!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة