Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ارحموا الشباب

إن الذين يعيشون في الأبراج العاجية، والقصور الشاهقة والفلل الفارهة والشقق المنمقة، أو حتى المساكن المتواضعة التي هي ملكهم الخاص، كل أولئك لن يشعروا بمعاناة الإنسان الذي لا يملك مسكناً يؤويه، بل يعيش تحت تعسف المالكين.

A A
إن الذين يعيشون في الأبراج العاجية، والقصور الشاهقة والفلل الفارهة والشقق المنمقة، أو حتى المساكن المتواضعة التي هي ملكهم الخاص، كل أولئك لن يشعروا بمعاناة الإنسان الذي لا يملك مسكناً يؤويه، بل يعيش تحت تعسف المالكين.أكتب مقالي هذا وأنا اشعر بمزيج من الأسى والحزن، والدهشة والحيرة، ذلك المزيج الذي اختلط بداخلي وأنا أبحث مع إحدى زميلاتي عن شقة للإيجار، وهي بالمناسبة دكتورة أكاديمية لا تملك سكناً خاصاً، فكانت تبحث عن سكن متواضع وفي أحياء متواضعة. لقد تركت جولتي معها آثاراً عميقة في نفسي، حيث صدمت من حمى الإيجارات الملتهبة، نعم كنت أسمع واقرأ عن ارتفاع الإيجارات، لكنني لم أتخيل قط أن يكون هذا الارتفاع بهذا الشكل الجنوني المهووس، فقد بحثت مع زميلتي في حيين متواضعين من أحياء جدة هما حي السلامة (1)، وحي الزهراء المقابل له.هل تصدقون أن الشقة المكونة من غرفتين صغيرتين وصالة أصغر منهما، ومطبخ هو أشبه بمطابخ لعب الأطفال مع حمامين لا يكاد أحدهما يكفي لوقوف الشخص، هذا المسكن الضيق تراوح سعره من (22) ألف إلى (26) ألف ريال، والشقة ذات (3) غرف بذات المواصفات الهشة السابقة تتراوح ما بين (29) ألف إلى (32) ألف ريال، نعم والله!! أما ذات الأربع غرف التي لا تتعدَّى مساحتها (120) متراً، وصل سعرها إلى (35) ألف ريال، هذا مع عدم وجود غرفة للسائق أو للشغالة ما يعني أنها أقيمت لذوي الدخل المنتوف الذين لا يملكون أجرة خادمة أو سائق!! أما في حي الزهراء فإن التفكير عجز عن ملاحقة الأسعار ومقارنتها بالعرض، فالشقة ذات الغرفتين تجاوزت (30) ألف ريال، وذات (3) غرف تراوحت ما بين (37) الف إلى (40) ألف ريال، وذات الأربع غرف (45) الف ريال، وغرفة السائق لها إيجار آخر يصل إلى (5) آلاف ريال. أما الموضة الجديدة وهي الفلل الملحقة بالعمارات، فقد كانت أسعارها خيالية، فذات (8) غرف، بلغ سعرها (150) ألف ريال، أما ذات (5) غرف أو (6) غرف، فتتراوح ما بين (70-100) ألف ريال، وقد سمعت أن بعض الأحياء التي تعد أرقى- ولا أعلم من أين جاءها الرقي قد بلغت اسعار الشقة ذات الغرفتين (50) ألف ريال، وزن على ذلك الأسعار كلما زادت الغرف!!.أليس هذا جنونا محموما، وارتفاعا غير معقول ولا منطقي للأسعار؟؟ فإذا كانت دكتورة لا تستطيع أن تدفع مثل هذه الإيجارات؟ فما حال شبابنا المبتدئ الذي لا يتعدى راتبه (3000) ريال إن كان خريج جامعة، أما إذا كان حاصلا على الثانوية أو أقل، فإن راتبه لن يتجاوز (1500) ريال فحتى صاحب (3000) ريال، فإن راتبه هذا قد يمكنه من استئجار شقة ذات غرفتين بشرط أن يظل أمامها يوميا بعد الدوام ليشحذ لقمة العيش!!.أمّا عروض البنوك المغرية بامتلاك شقة أو سكن الأحلام عن طريق القروض، فهي شباك صيد توقع أولئك الغلابة الذين يحلمون بسكن يدخلون فيه رؤوسهم ورؤوس أبنائهم، حتى إذا وقعوا في تلك الشباك عجزوا عن الخروج منها، وأصبحوا مكبلين بالديون.فشبابنا اليوم أمام هذه العراقيل، لا يتمكنون من بناء أسرة فحرموا بذلك من الاستقرار والشعور بالأمن، ما قد يغريهم إلى سلوك طرق الغواية، فتتفشى الجريمة في المجتمع، وتتسع رقعة الفساد الخلقي ما يهدد أمن الوطن كافة، فلماذا لا نحمي أوطاننا بحماية أبنائها من العوز والزلل، فإذا ما شعر الفرد أنّ له مجتمعاً يُقيل عثراته، ويستر عوراته، تغلغل الولاء والحب لهذا المجتمع في داخله، وطفق يسري في دمه.فلا بد من وقفة وطنية جادة وسريعة تكفل العيش الكريم للفرد، بتوفير العمل الشريف لكل مواطن وبرواتب تتلاءم مع الواقع الاقتصادي للبلاد وتسهيل امتلاكه لسكن يمكنه من إقامة حياة أسرية هانئة مطمئنة، وهذا يتطلب وجود هيئة عليا للإسكان تختص بتقنين الإيجارات حسب الأحياء وحسب المساحة والجودة بما يتوافق وإمكانيات الأفراد. إضافة إلى إقامة مدن سكنية حكومية في أطراف كل مدينة بها جميع الخدمات والأولوية فيها لذوي الدخل المنتوف، فإذا ضمن الفرد سكناً آمناً ومعاشاً كريماً هدأ باله، واطمأنت نفسه، وأصبح عاشقاً لوطنه الأم، مستعداً للدفاع عنه بروحه ونفسه.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store