Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مرسي أم سنودن ؟!

كان من الأجدر بالإدارة الأمريكية، بل بالدولة الأمريكية نفسها، أن تفتح تحقيقات تتميز بأعلى درجات الصراحة فيما يتعلق بخرق أجهزة الدولة لحياة المواطنين والمقيمين الخاصة، بدلاً من تعقب عميل وكالة المخابرا

A A
كان من الأجدر بالإدارة الأمريكية، بل بالدولة الأمريكية نفسها، أن تفتح تحقيقات تتميز بأعلى درجات الصراحة فيما يتعلق بخرق أجهزة الدولة لحياة المواطنين والمقيمين الخاصة، بدلاً من تعقب عميل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إدوارد سنودين (سي آي إيه) لأنه أفشى أسراراً متعلقة بطبيعة مهام وظيفته.
الدستور الأمريكي لا يحترم الحرية الفردية وحسب، ولكنه يقدسها. وهذا يعني وبمنتهى البساطة، أن التنصت على ملايين المكالمات الهاتفية للمواطنين والمقيمين داخل الأراضي الأمريكية دون وجود أمر قضائي، ليس عملاً مخالفا للقانون فقط، ولكنه جريمة تمارسها أجهزة الدولة في حق الشعب، إضافة إلى أنه خرق سافر للدستور الذي يعد بمثابة العقد الاجتماعي الذي يحكم ويُنظِّم ويُوضِّح أسس العلاقة بين الشعب والدولة.
الشعب الأمريكي لم يعترض على هذه الجريمة، فالشعب هناك لا يتمتع بدرجة من الوعي السياسي تسمح له بإخضاع أداء الأجهزة الحكومية لمعيار النقد القانوني أو السياسي. المجتمع الأمريكي عبارة عن سوق استهلاكي هو الأضخم والأكثر جشعا واستغلالا وقسوة في العالم. ومجتمع استهلاكي لهذه الدرجة يسهل أن يُساق عبر قنوات التلفزيون كما لو كان قطيعاً.
هذا المجتمع المغيب لا يدرك حجم الجرائم التي ترتكب بحقه من قبل الإدارات المتعاقبة على تولي شؤونه، ومن قبل لوبيّات الصناعة التي تُموّل هذه الإدارات بالمال، لتخدم مصالحها لا مصالح الأمة التي تحكم باسمها.
قضية، أو بالأحرى، فضيحة سنودن، ليست أكبر أو أخطر من فضيحة انفلونزا الخنازير، أو تزوير التقارير التي منحت إدارة بوش الذريعة القانونية والمبررات الأمنية والسياسية والأخلاقية لغزو العراق. كما أن فضيحة سنودن ليست أخطر من فضيحة ويكليكس التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك، التوجهات الإمبريالية للسياسة الخارجية للإدارات الأمريكية المختلفة. ربما الفضيحة الوحيدة الأكبر من فضيحة سنودن، هي فضيحة انعدام الوعي بين جميع طبقات وشرائح المجتمع الأمريكي. وهو ما يسمح للإدارات الأمريكية بمواصلة دس أنفها في شؤون الآخرين، والتعامل مع ثورة شعبية عظيمة كثورة الثلاثين من يونيو، من موقع الوصي.
قبل أن تطالب أمريكا بإطلاق مرسي الذي حرّض على ممارسة العنف صراحة عبر آخر خطاب له، عليها أن تتوقف عن ملاحقة سنودن الذي لم يفعل أكثر من كشف جزء من الخدعة الكبرى التي يعيشها شعبه. وهو واجب أي مواطن صالح يسعى إلى توعية شعبه الذي تنتهك حقوقه المنصوص عليها دستورياً.
سنودن لا مرسي، هو الذي يجب أن تهتم الإدارة الأمريكية بشأنه.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة