Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ولى زمن الصراخ (1)

«لقد آن لهم أن يعلموا بأن زمان الصراخ قد ولى، وحل محله زمان التروي والبحث الدقيق»، بهذا الاقتباس اختتم الكاتب والمفكر العراقي الدكتور علي الوردي إهداءه لقراء كتابه «مهزلة العقل البشري»، وبتلك الجملة نفسها أبتدئ حديثي إلى القارئ الكريم، الذي ألفتْ أذناه طوال عقود من الصراع المرير مع العدو الصهيوني، قرقعة الطبول، ودون أن يتغير

A A
«لقد آن لهم أن يعلموا بأن زمان الصراخ قد ولى، وحل محله زمان التروي والبحث الدقيق»، بهذا الاقتباس اختتم الكاتب والمفكر العراقي الدكتور علي الوردي إهداءه لقراء كتابه «مهزلة العقل البشري»، وبتلك الجملة نفسها أبتدئ حديثي إلى القارئ الكريم، الذي ألفتْ أذناه طوال عقود من الصراع المرير مع العدو الصهيوني، قرقعة الطبول، ودون أن يتغير شيء، بل الأدهى والأمر، أنه كلما زاد الضجيج، وعلا صياح الخطباء، كلما زادت الآلام، وتوسع الخرق على الراقع، والضحية أولا وأخيرا هو محمد الدرة وبقية إخوانه وأخواته ممن عركتهم الحياة، وأصابتهم بشررها، حتى أصبح باطن الأرض أرحم لهم من ظاهرها، إنها قمة صور الكوميديا الحزينة وسخريات القدر. أقتبس ذلك وأنا أستمع لخطابات مؤتمر القمة العربية الدوري بليبيا، لأقول لساستنا الموقرين، ومن ورائهم خُطبائنا المبجلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أن زمان الصراخ قد ولى، وأن قضيتنا الأم تحتاج إلى رؤية جديدة هادئة منطقية حتى تخرج من شرنقتها، رأفة بالأطفال والنساء وكبار السن على أقل تقدير، ذلك أن ما انقسم عليه الناس من حلول لقضيتنا المكلومة، لم تعد، في تصوري، مجدية، حيث لم يُحقق تكريس الإيمان باستخدام القوة العشوائية، وفقا لقاعدة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، أي نجاح حقيقي لحل مشكلة فلسطين الأرض والإنسان، علاوة على أن نتائج ذلك قد انعكست سلبا على المنطقة بأكملها، وبالتالي فاستمرار هذا النهج العبثي غير مجدٍ، والمتضرر الوحيد هم محمد وزينب وحنان وأحمد وغيرهم من أبنائنا وبناتنا في فلسطين الجريح ؛ كما لم يُجد نفعا تعميق الإيمان بأن السلام خيار استراتيجي، وأن طريقه الوحيد هو التفاوض، حيث واجه هذا الخط الكثير من المصاعب، بسبب أمور عدة، يمكن تلخيصها في القول بأن خيار التفاوض السلمي لم يتم دعمه عربيا وإسلاميا بمشاريع اقتصادية فاعلة، ورؤى سياسية إستراتيجية، تعزز من فاعلية المفاوض الفلسطيني على الصعيد المادي والمعنوي على أقل تقدير، فكان أن تُرك الفلسطينيون لمواجهة نتائج مفاوضاتهم وحيدين دون غطاء كلي لهم، بحيث وضح عجزهم عن مسايرة المفاوض الإسرائيلي، المتمترس خلف كم كبير من ملفات الدعم الغربي بوجه عام، والأمريكي على وجه الخصوص. وهو ما أفقد المسار السلمي قيمته، وأكد فاعلية المسار الأول في أذهان الكثير من الناس، ولا أخفيكم أني أحد أولئك الذين من شدة إحباطهم، وتراكم مآسيهم، استسلموا لذلك الخيار، على الرغم من رفضي القاطع لكل ممارسات العنف واستخدام القوة العبثي. في غمرة كل هذا الإحساس بالعجز، الذي تُرجم إلى حالة من اللامبالاة، واستئناس نعمة النسيان، والتيه في آفاق الحياة، وقع في يدي رواية، مزج صاحبها، وهو الأديب اليمني علي المقري، بين السرد والتاريخ، الواقع والخيال، لتخرج في حُلة قشيبة بعنوان «اليهودي الحالي»، وتفتح أفاق ذهني على أبعاد جديدة لحالة جوهر الصراع الراهن بين العرب وإسرائيل، أرى أننا بحاجة إلى تسليط الضوء عليه، لنحقق شطر المقولة الوردية الثانية، التي سبقنا إلى تفعيل آلياتها الكيان الإسرائيلي، وفي ذلك يكمن جزء من سر قوته.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store