Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بناء القانون قبل بناء القيم والأخلاق

من منا لم يسمع أو يردد يوماً لسبب أو لآخر عبارة "ذهبت الى الغرب فوجدت اسلاماً ولم أجد مسلمين, ووجدت في بلدي مسلمين ولم أجد إسلاماً".

A A
من منا لم يسمع أو يردد يوماً لسبب أو لآخر عبارة "ذهبت الى الغرب فوجدت اسلاماً ولم أجد مسلمين, ووجدت في بلدي مسلمين ولم أجد إسلاماً".
كيف ولماذا تمكن الغرب من التقدم علينا بسنوات ضوئية عديدة, ليس في العلوم والثقافة والاختراعات فحسب, ولكن في التمسك بالقيم الأخلاقية التي لا تختلف الأمم على تعريفها ومنها: الصدق والأمانة والإخلاص والعدل والنظافة والرحمة واتقان العمل والتسامح وأدب الحوار وسواها؟
كيف ولماذا أصبحنا نعيش في انحدار أخلاقي رغم أننا أكثر شعوب الأرض دون منافس حديثاً عن الأخلاق وأكثرها ترديداً لها في مدارسنا وجوامعنا؟
الإجابة ببساطة هي أن السبب الرئيس لتمسك الغرب بتلك القيم النبيلة لا يكمن في الوازع الديني لديهم أو خشيتهم من الله (رغم أني لا أنفي ذلك عنهم)، ولا لأن نفوس شعوبهم أكثر نقاءً وصلاحاً من نفوسنا, ولكن لأن لديهم قوانين محكمة شاملة تطبق على الجميع دون محاباة أو استثناء..
قوانين تحولت تراكمياً مع الزمن الى قيم اجتماعية وأخلاقيات سائدة ينبذ الغالبية من يخالفها, وأصبحت مع مرور الوقت جزءاً من ثقافة المجتمع التي يلتزم بها الناس إيماناً بها وليس فقط خوفاً من العقوبة الرادعة.
نعم.. إنها القوانين والتي لن ينصلح حالنا بدونها مهما سمعنا من خطب ومواعظ ومهما حشونا كتبنا بقصص الأخلاق والقيم والصفات الملائكية.
لقد اعتدنا لعقود طويلة على إخفاء عيوبنا ومشاكلنا لنظهر بمظهر المجتمع المثالي الملائكي الخالي من كل نقص وعلة، فكنا شعباً بلا مخدرات ولا جرائم قتل واغتصاب أو سرقة أو شذوذ، الى أن فوجئنا بالانفتاح الإعلامي وشبكات التواصل التي أزالت الغطاء عنوة عن عيوبنا تلك والتي لا نختلف فيها أصلاً عن أي شعب آخر، فكل شعوب الأرض تحصل فيها مثل تلك الجرائم وأكثر. ولكن حالة الإنكار التي كنا نعيشها والاكتفاء بذلك الانكار كأقصر وأسهل طريق للحل جعلنا نغفل كنتيجة طبيعية لذلك أموراً أساسية هامة مثل الاحصاءات والبحوث والدراسات التي تضع المواطن في الصورة بشكل كامل وتجعله شريكاً أساسياً في حل مشاكله.. والأهم من كل هذا أن ذلك الانكار الذي عشناه طويلاً كان من نتائجه غياب -أو عدم تفعيل- القوانين والأنظمة المبنية على الدراسات والاحصاءات العلمية الموثوقة، مما أدى بطبيعة الحال الى تفشي ظاهرة الاستهتار بالنظام وعدم احترامه والتي نراها أينما ذهبنا.. وكما يقول المثل "من أمن العقوبة أساء الأدب".
خلاصة الامر بكل اختصار, لنتوقف عن الاكتفاء بملء مسامع الناس بقصص ونصائح مكارم الأخلاق, ولنزرع في نفوسهم بدلاً من ذلك ثقافة الالتزام بالأنظمة والقوانين، فهي الطريق الأمثل لحل كثير من مشاكل تآكل القيم لدينا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store