Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هل يقيم السيف العدل ؟!

في قرية من قرى استانبول وفي يوم من عام 1522 بدأ رجل بحراثة أرض اشتراها من شخص آخر، وقبل أن يمضي زمن طويل، علق محراثه بجرّة مليئة بالذهب الأصفر، فانطلق فوراً إلى الرجل الذي باعه الأرض يريد تسليمه جرّة

A A
في قرية من قرى استانبول وفي يوم من عام 1522 بدأ رجل بحراثة أرض اشتراها من شخص آخر، وقبل أن يمضي زمن طويل، علق محراثه بجرّة مليئة بالذهب الأصفر، فانطلق فوراً إلى الرجل الذي باعه الأرض يريد تسليمه جرّة الذهب وهو يقول: (لقد اشتريتُ منك سطح الأرض، وليس الذهب الذي فيها. وما كنت لتبيعني الأرض بالثمن المتفق عليه لو علمت بوجود هذا القدر من الذهب فيها فخذ ذهبك). فأجابه مالك الأرض قائلا: (لقد بعتك الأرض كما هي، بترابها وحجرها. وهذا الذهب ليس حقي. إنه لك فافعل ما تشاء)، تضايق الفلاح الذي عثر على الذهب، وأصرّ على نقل المسألة إلى القاضي، وكرّر دعواه أمام القاضي. أستمع القاضي إلى المسألة بدقة، وأعجب بحرص الطرفين على التقوى والعدالة، فما كان منه إلا أن قرر تزويج بنت الأول بابن الثاني، وجعل الذهب مهراً بينهما، وأضاف: (إن الزمن زمن السلطان سليمان، ولا ينبغي فيه أن نحيد عن العدل مقدار شعرة، ولا نرى إلا المصاهرة حلاً يليق برجلين في مثل ورعكما).
إنها قصة رائعة حدثت في زمن السلطان سليمان القانوني الذي كان الرجل الأقوى في العالم لمدة 46 عاماً حكم فيها الدولة العثمانية وكان أعظم خلفائها، وكانت رسالته بأن السيف لا يقيم العدل، وسمي بالقانوني لما قام به من إصلاح في النظام القضائي، وأصبح حاكماً بارزاً في آسيا وإفريقيا وأوربا، ووصلت فتوحاته المجر والبحر المتوسط والبحر الأحمر والنمسا والشرق الأوسط والخليج وشمال إفريقيا والعراق وإيران وشرق إفريقيا، حتى أن ملك فرنسا طلب منه المساعدة ضد ملك إسبانيا، مما يدل على حجم القوة التي كان عليها والمكانة المتطورة للدولة الإسلامية آنذاك. كما حرص على تطوير التعليم والمجتمع والقانون الجنائي، وصاغ مدوّنة قضائية وفق الشريعة الإسلامية استمر العمل بها قرابة الأربعمائة سنة. وكان شاعراً أديباً محباً للثقافة والمعمار والهندسة والفنون، وحريصًا على تطبيق القوانين والعدل وعدم الميل مع الهوى، كما احترم وحرص على رعاية حقوق الديانات الأخرى حتى كثر هجرة المسيحيين لبلاده، واعتنق الكثير منهم الإسلام، وحرص على رفاهية الفلاحين ووفرة المواد الغذائية. ولهذا فإن العودة للتاريخ تساعدنا على معرفة مثل هؤلاء الرجال، وكم شوّه الغرب والاستعمار صورتهم، وكيف يمكن أن نقتفي آثارهم ونتعلم منهم في حاضرنا الإسلامي المرتبك. ولنا في حاضرنا الحالي كيف وحّد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- هذه المملكة العظيمة، وحرص على إقامة العدل ونشر المحاكم وتطوير القضاء، وها هو خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- يحرص على أن يضرب هامة الظلم بالعدل، ويوجّه بمشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء الذي يسير بشكل جيد، ويحتاج إلى خطوات أسرع من قِبَل الجهات التنفيذية التي تبذل جهداً رائعاً.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store