Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مصانعنا.. إنفاق مليارات وغياب منتجات!

تتملك المرء الدهشة ويحيط به التعجب جراء قراءة تقرير صادر من جهة ذات علاقة بتنمية المجتمع ولها مساس مباشر بالمواطن؛ فالمفترض أن تقوم النهضة بكافة صورها ومختلف أشكالها على أيدي أبناء الوطن المعطاء، لكن

A A
تتملك المرء الدهشة ويحيط به التعجب جراء قراءة تقرير صادر من جهة ذات علاقة بتنمية المجتمع ولها مساس مباشر بالمواطن؛ فالمفترض أن تقوم النهضة بكافة صورها ومختلف أشكالها على أيدي أبناء الوطن المعطاء، لكن يبدو أن هناك خللاً في بعض المعطيات وكان لها التأثير السلبي على المخرجات، فكانت الصورة باهتة إلى حدٍّ كبير، يصعب فهم ملامحها ولربما استحال إيضاح مكنوناتها!
فقد أظهر تقرير اقتصادي تم نشره في أحد الصحف حصول المصانع السعودية البالغ عددها 6189 مصنعا، على تمويل بنحو 875.5 مليار ريال في عشر سنوات (منذ عام 2003م حتى نهاية النصف الأول من عام 2013م).
وارتفع التمويل للمصانع، بمتوسط سنوي بلغ 13% في السنوات العشر الماضية، بينما نمت العمالة في هذه المصانع بنسبة أقل، بمتوسط 8% سنويا.
ورغم التمويل السخي إلا أنها لم توفر إلا 72000 وظيفة، تعادل 9% فقط من الوظائف التي وفرتها جميع المصانع، وهو ما لا يتناسب مع حجم التمويل الممنوح لها، مما يعني أن هذه الصناعات لا تحتاج إلى عمالة كثيفة ولا تسهم بشكل جيد في حل جذري لأزمة البطالة.
وتشير بيانات مصلحة الإحصاءات العامة إلى أن عدد السكان لدينا قد بلغ نحو 29.2 مليون نسمة، 19.8 مليون منهم سعوديون يمثلون 68% من عدد السكان. وبلغت نسبة البطالة 12.1%.
هذا المشهد لا يبدو مقبولاً لدى الكثيرين، وبخاصة من يملكون الطموح لأن تتبوأ هذه البلاد مكانة مرموقة في ظل دعم لا أتوقع أن يوجد له نظير في شتى بلدان العالم.
والواقع المعاش فيما يتعلق بمصانعنا لا يفي بأدنى درجات الطموح؛ فهو غائب عن الأسواق إلى حد كبير فضلاً عن أن يكون منافسا، وإذا ما وجد في بعض الأحيان فإنه أيضا خارج إطار التنافسية المطلوبة، فالأسعار تفوق المستورد بدرجة لا يمكن استساغتها، ولو أخذنا الأدوية على سبيل المثال لوجدنا هذه الحقيقة ماثلة للعيان؛ فأنت تجد دواء (قيل) أنه صناعة سعودية (ومواده تم جلبها من الخارج)، وفي المقابل تجد دواء آخر قد تم جلبه من بلد مجاور والبون في الأسعار شاسع جدا، وبالتالي فإن المرضى لا يجدون بداً من العدول عن المنتج الوطني كون المادة في العبوتين واحدة، ووزارة الصحة ألزمت الصيدليات أن تكتب أن هناك بدائل أخرى للدواء الواحد!
وإذا أردنا أن نكون واقعيين فيما يتعلق بمنتجات المصانع، فإنه يجب الاعتراف أن ما يجري في معظم الأحيان -إذا ما تجاوزنا الصناعات البترولية والكيميائية- هو مجرد تجميع لمكونات تم جلبها من دول أخرى، وبالتالي هي لم تجد العناية من المستهلك، والأمثلة على هذا كثيرة، فسيارة يتم تجميعها ثم يُقال صناعة سعودية، وهكذا أجهزة وأدوات كهربائية ومنتجات خشبية، وكأن الغاية كتابة هذه الجملة، وجميع المكونات الداخلية للمنتج هي في واقع الأمر ليست كذلك، هذا فضلاً عن أن الأسعار والتي -كما أسلفت- لا تُشجِّع أبداً على الإقدام عليها، في مفارقة عجيبة ومعادلة لا يمكن إيجاد حل لها؛ مصانع مدعومة بالمليارات وأسعار مرتفعة!
إن الأسواق تعج بالمواد، على مختلف الصناعات، وضخ هذه المليارات يلقي بالمسؤولية الكاملة على رجال أعمالنا، بحيث تكون منتجات مصانعهم منافسة وبقوة، فيظهر للمواطن الجودة والسعر المقبول في آنٍ واحد، ويدرك حينها الفائدة من الدعم الحكومي الكبير الذي يفترض أن ينعكس إيجاباً على السوق؛ فضخ المليارات يقتضي وجود وفرة من المنتجات، وكذلك يخلق تنافسية هائلة، بحيث يتجاوز المستهلك المستورد، ويُشجِّع صناعات الوطن ومصانعه، وهو واجب على كل فرد يحمل بين جنبيه همّ المواطنة، لكن ذلك لا يتأتى إلا بالضوابط التي أشرت إليها وتتمثل في الأثافي الثلاثة: منتج، وجودة، وسعر تنافسي.
فهل نطمع أن يأتي اليوم الذي تكون فيه مصنوعاتنا قد توازنت منتجاتها مع دعم الحكومة بملياراتها..؟!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة