Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ولى زمن الصراخ (2)

أؤمن بأن هناك فرقا شاسعا بين مفهوم وفعل المقاومة، ومفهوم وفعل العنف، فالعنف هو ما كان ناتجا عن سلوك عدائي صادر عن نفس مشوهة تعيش أزمتها الذاتية، فيتم التنفيس عنه من خلال ممارسة أفعال خارجة عن كل النظم الإنسانية المتفق عليها، كالقتل وسفك الدماء العشوائي، وممارسة التعذيب بشكل سادي، وتنفيذ عمليات اختطاف المدنيين، وترويع الآمنين

A A
أؤمن بأن هناك فرقا شاسعا بين مفهوم وفعل المقاومة، ومفهوم وفعل العنف، فالعنف هو ما كان ناتجا عن سلوك عدائي صادر عن نفس مشوهة تعيش أزمتها الذاتية، فيتم التنفيس عنه من خلال ممارسة أفعال خارجة عن كل النظم الإنسانية المتفق عليها، كالقتل وسفك الدماء العشوائي، وممارسة التعذيب بشكل سادي، وتنفيذ عمليات اختطاف المدنيين، وترويع الآمنين بصورة أو بأخرى، كل هذا وغيره يندرج في خانة العنف المرفوض قطعا، حتى لو تغلف بغلاف ديني، كالجهاد والدعوة إلى تحرير الأرض، أو تلبس بلباس قـِيَمي، كالدفاع عن النفس، إلى غير ذلك من التبريرات ؛ أما المقاومة فهي فعل ذاتي صادر عن نفس مُؤمنة مُتزنة تؤمن بحقها في تحقيق حريتها، ولكن دون أن تؤذي الأبرياء، أو أن تصادر حرياتهم وتنتهك حقوقهم، فإيمانها بقيم الخير إيمان فعل وليس رد فعل، ولهذا فإن الغاية - وفق قانونها - لا تبرر الوسيلة، من أجل ذلك فقد حرص أفرادها عبر التاريخ وفي مختلف الأماكن، على أن يكون العدل جزءا من تكوينهم الذاتي والعقلي والفعلي، وكان إيمانهم بأن المقاومة فعل مفتوح لا تقتصر صوره على صورة حمل السلاح وحسب . هذه المقاومة هي التي أؤمن بها، وهي التي يجب أن تتجسد في سلوكنا المقاوم خلال مراحل صراعنا الوجودي مع الكيان الصهيوني بشكل كلي، فالنار لا يخمدها إلا الماء الزلال، وهو ما أدركت مضامينه الكثير من أجيال المقاومة المعاصرة في فلسطين وغيرها، الأمر الذي عزز من قوتهم على المدى اللحظي والبعيد أيضا . أقدم هذا القول لأنطلق إلى فحوى ما أريد الحديث عنه، وأجعل ما سبق ركيزة لي، لأوجه استفهاما بريئا أيقظه في داخلي الروائي اليمني علي المقري في روايته الموسومة بـ»اليهودي الحالي» . تلك الرواية التي تمكن بمزاوجته الرائعة بين التاريخ والحكاية السردية، من أن يعكس لب الأزمة المعاشة بين المسلمين واليهود، وكأنه أراد أن ينكشف على الحاضر بكل مآسيه، بكل عذاباته، بكل قسوته وجبروته، من خلال الغوص في ذكريات الماضي، وبوح جزء من عذاباته، ليستشعر القارئ وهو يلامس روح فاطمة المسلمة، وعذابات سالم اليهودي، قصة خلق الإنسان، وصراع الشيطان، والسؤال الذي تولد في خاطري وأنا أستحضر أطياف ذلك المشهد، ومأساة واقع مشهدنا المعاصر هو: هل علينا أن نحصد ما يزرعه الآخرون ؟ هل علينا أن نتوارث صراعا وجوديا بخلفيات فكرية مشوهة ؟ أليس من واجبنا الأخلاقي أن نعيد التفكير في تقييم أسس علاقتنا بالآخر، وفق أصل منهجنا القيمي، وليس ردات أفعالنا السلوكية ؟ حتى لو كان ذلك متعلقاً بطائفة اليهود، هل نحن على خلاف وجودي مع طائفة اليهود ؟ أم مع النـَّفـَس الصهيوني ضمن إطار المجتمع اليهودي ؟ هل مصدر ولايتنا على أرض فلسطين ديني أم سياسي ؟ وأخيرا متى وكيف يكون الخلاص ؟ أفكار عديدة تبادرت إلى ذهني يمكن مناقشة بعضها بشفافية ممكنة في المقال القادم، لكن وقبل ذلك، أؤكد أني وعلى الرغم من إثارتي لمختلف تلك الأسئلة التي قد يغضب منها البعض، إلا أني لازلت مؤمنا بأهمية استمرار مقاومة الدولة الصهيونية الحالية بمختلف السبل، والعمل على كشف زيفها وخداعها وظلمها الإنساني.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store