Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

سلام على صنعاء (2)

في صنعاء تشعر لوهلة بأن الكل يشغل منصباً سياسيًّا، تظنُّ وأنتَ تمشي في طرقها أنك تسير في أحد ردهات مجلس النوّاب، وتعتقد حين تجلس في أحد مقايلها الرئيسية أنك في أحد قاعات أحد الأحزاب السياسية، تستشعر ذ

A A
في صنعاء تشعر لوهلة بأن الكل يشغل منصباً سياسيًّا، تظنُّ وأنتَ تمشي في طرقها أنك تسير في أحد ردهات مجلس النوّاب، وتعتقد حين تجلس في أحد مقايلها الرئيسية أنك في أحد قاعات أحد الأحزاب السياسية، تستشعر ذلك وأنت راكب في سيارة أجرة حين تسأل السائق عن طبيعة الأوضاع المعاشة، فيُبادرك بالتحليل والشرح، ويُبيِّن لك بإصرار أن المشكلة تكمن في الحزب الفلاني، أو في الشخصية الفلانية، على أنك سرعان ما تسمع رؤية مختلفة حين تغادر ذلك السائق وتلتحق بشكل عابر بأشخاص مجتمعين في مكان ما، ليس بينك وبينهم أي معرفة، إذ وحين تسألهم السؤال ذاته، تجدهم جميعًا وقد تفتحت أفانين معرفتهم، ليدلو كل واحد منهم بدلوه، والعجيب أنك قد تسمع آراء متنوعة ومختلفة في آنٍ واحد، ودون أن يُعكِّر اختلافهم صفو تجمعهم، أو على الأقل دون أن يُثير اختلافهم رغبتهم في تحسس أحزمتهم المسلحة.
حقا إنها بلد السياسة كما قال لي أحدهم، وهي بلد الأدب والثقافة أيضاً، وهي بلد الصراع الخفي الدائم، وهي بلد الحروب العاقلة -كما عبرت سابقاً في إحدى مقالاتي- وهي فوق كل ذلك وبعده «بلد الحكمة»، فالإيمان يمان والحكمة يمانية كما ورد عن رسول -الله صلى الله عليه وسشلم-.
في صنعاء عرفت المعنى الحقيقي لمصطلح «الفوضى الخلاقة»، حيث ينعدم إحساس الناس بالنظام المروري، فترى الجميع يقود مركبته بالشكل الذي يُريد، ويسير في الاتجاه الذي يُريد، دون اهتمام بمسار الطريق ما إذا كان ذهاباً أو قدوماً، والعجيب أن كل ذلك يسير بانتظام شديد، وكأن الناس بمركباتهم المتنوعة ودراجاتهم النارية قد استأنسوا تلك الحياة، وباتوا يؤمنون أن السير بغير ما هم عليه هو الفوضى الذي يجب وقفه، وحتماً فتلك كارثة مدنية على الرغم من تعايش الناس مع الوضع القائم.
الغريب أنك لن تجد تلك الفوضى في مقايل صنعاء الزاهرة، التي يتحدث فيها الصنعانيون بانتظام وترتيب، ودون خلل أو إرباك، لكن الواقع غير التنظير، وهو ما جعلني أدرك أن لبَّ الإشكال في بعض الأوطان العربية وعلى رأسها اليمن كامن في كثرة المتحذلقين سياسيًّا، وقلة الفاعلين تنفيذًا.
بمعنى أن اليمن يحتاج للخروج من أزمته إلى أن يقلَّ عدد السياسيين في كل حزب ومنظمة سياسية، في مقابل كثرة المدراء التنفيذيين، الذين يقع على عاتقهم تنظيم وتيرة العمل بشكل احترافي، وإيقاف حالة التدحرج المخيف نحو الجحيم، والصعود باليمن نحو عنق الزجاجة. فهل يدرك اليمانيون ذلك؟ وهل يعون دلالة مثلهم الأصيل «إذا كثرت الأدياك ضاع الفجر»؟!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store