Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

قلبي على ولدي

أقبل عليَّ بوجهٍ مُكفهرٍّ، عليه غبرة، تعلوه قترة، تكاد عيونه تتقرَّح من هول الألم الذي يعتصر في داخله؛ أشفقت عليه، وأدركت أن جرحًا غائرًا في صدره ينزف، وما أصعب، وأشد، وأوجع من نزيف الرجال، وأصعب، وأش

A A
أقبل عليَّ بوجهٍ مُكفهرٍّ، عليه غبرة، تعلوه قترة، تكاد عيونه تتقرَّح من هول الألم الذي يعتصر في داخله؛ أشفقت عليه، وأدركت أن جرحًا غائرًا في صدره ينزف، وما أصعب، وأشد، وأوجع من نزيف الرجال، وأصعب، وأشد، وأوجع منه حين يكون سبب ذلك فلذة كبده.
لم أنتظر كثيرًا لأعرف مكنون سرِّه، حيث بادرني متسائلاً بقوله: هل من مقتضيات التربية الحديثة أن يُربي الابن أباه؟ هل يجب في علوم التربية المعاصرة أن يعمل الأب كل جهده لأن ينال رضا ابنه؟ وهل أنا مقصر كل التقصير لكوني لم أتقرب لابني، وأتفهّم مشاعره، وأداري سورة غضبه؟ وأكملَ والحسرة بادية على محياه: أسألك بالله يا دكتور، من الذي يجب أن يُراعي مشاعر الآخر أنا أم هو؟ من الذي يجب أن يسترضي الآخر أنا أم هو؟ من الذي فرض الله طاعته ومودته أنا أم هو؟ ما لكم كيف تحكمون؟
لم أدرِ ما أجيب به، وكيف أجيب عنه، لكوني مدركًا لحقيقة الأزمة الكائنة بين كثير من الآباء وأبنائهم، جراء ما تم تغذية المجتمع به من ثقافة تربوية برؤية غربية، أقل ما يقال عنها أنها تتنافى مع تشريعنا الديني الذي يفرض التزام الطاعة المطلقة للوالدين ما لم يأمرا بكفر أو معصية، وتتعارض مع طبيعة سلوكنا الاجتماعي المُتسم بالفردية والأحادية. وهو ما خلق الفجوة المعاشة اليوم بين كثير من الآباء وأبنائهم، وما قصة صاحبي إلاّ مثال واضح على ذلك.
صاحبي الذي كل خطئه أنه أراد مصلحة ابنه، وحمايته من شرور نفسه وشيطان قرينه، فأخذ يحضه على مداومة استذكار دروسه، ويمنعه من الانزلاق في مهاوي الخطأ والرذيلة، فشجَّعه تارة، وغضب منه تارة أخرى، لكنه لم يجد من فلذة كبده إلاّ التمادي في التقصير والتجاهل، وحين يعمد إلى مناقشة الأمر مع أسرته يُفاجأ بأن المطلوب منه أن يقرأ ويتعلم فنون التعامل مع الأبناء، وأنه مقصر كل التقصير لجهله المفرط بتلك القواعد والفنون.
العجيب في الأمر -والاستغراب له- ألاّ أحد يُحدِّثه عن أهمية أن يدرس ابنه شروط وقواعد وحدود طاعة الوالدين، وأن يؤمن أن الصلاح في برهما والعمل على طاعتهما، وأن الواجب -دينًا وخلقًا- أن يلتزم الأبناء سُبل رضاهما بما يُحقق السعادة لهما، ويُدخل الطمأنينة والسرور عليهما.
أصدقكم القول أني تركت صاحبي ينهمر بحديثه لعله يستريح قليلاً، وغادرته مرددًا: «قلبي على ولدي انفطر، وقلب ولدي علي حجر»، متأملاً واقعنا المعاش، الذي ندر الحديث فيه عن أهمية طاعة الوالدين، وشروط وقواعد البر بهما، والله المستعان.
zash113@gmail.com
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store