Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

إيران نووية.. أين العرب؟!

ربما يعرف المفاوضون في جنيف حول البرنامج النووي الإيراني، ماذا يريدون لأنفسهم، لكنهم قطعاً لا يعرفون ماذا تريد المنطقة لنفسها .

A A
ربما يعرف المفاوضون في جنيف حول البرنامج النووي الإيراني، ماذا يريدون لأنفسهم، لكنهم قطعاً لا يعرفون ماذا تريد المنطقة لنفسها .
يريد الغرب اتفاقاً يلجم الطموحات النووية الإيرانية عند مستوى مقبول وفق معاييره هو، وتريد دول المنطقة المتضررة مباشرة بالمشروع النووي الإيراني، اتفاقاً ربما يتجاوز حدود التخلي الإيراني الصريح عن برنامج نووي «مشبوه» إلى التزام إيراني واضح وقاطع، بالتخلي عن تطلعات إيرانية إلى دور إقليمي مهيمن، أو قائد، فالتهديد الإيراني لمنطقة الخليج المجاورة مثلاً، قد بدأ قبل المشروع النووي، واستمر بدون السلاح النووي، متخذاً أشكالاً وأنماطاً من محاولات التدخل عبر دعم جماعات الإرهاب كما حدث في الخبر بالمملكة العربية السعودية مثلاً، وعن التأليب والتحريض الطائفي، كما حدث ويحدث في البحرين واليمن مثلاً، وعن التدخل السافر في العراق عبر جماعات طائفية أو عرقية مسلحة في أغلبها، وأخيراً.. عبر التدخل العسكري المباشر على الأرض كما يحدث في سوريا الآن.
تستطيع الولايات المتحدة أن ترى ذلك التهديد، الذي شاركت سياساتها في صنعه، بعدما أتاح غزوها لأفغانستان ثم العراق، فرصة حصول الإيرانيين على أكثر من مجرد موطئ قدم في كل من بغداد وكابول، لكن منهج إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في التعامل مع تلك التهديدات ظل دون مستوى دفع الخطر، مغامراً بوضع المنطقة برمتها عند حافة تهديد إيراني ممتد ومستمر.
اختلاف الرؤية بشأن أبعاد التهديد الإيراني للمنطقة، تجاوز أطرافه المباشرة، وامتد داخل مجموعة 5+1 ذاتها، بخلاف واضح بيّن حول حدود ما يمكن قبوله في اتفاق مؤقت مع طهران، تحت عنوان «التعليق مقابل التعليق»، أي أن تعلق طهران برنامجها النووي لمدة ستة أشهر، مقابل أن تعلق واشنطن وحلفاؤها الغربيون بعض العقوبات الاقتصادية المتعلقة أساساً بالقطاع النفطي والقطاع المصرفي الإيراني، لمدة مماثلة، ما قد يعني تمكين طهران من الحصول على قرابة أربعين مليار دولار، يمكن أن تمنح اقتصادها المتداعي وعملتها المنهارة قبلة الحياة .
ثمة خلاف داخل مجموعة 5+1 ( الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا بالإضافة إلى ألمانيا) حول طبيعة الالتزامات التي يتعين على طهران الوفاء بها، خاصة فيما يتعلق بموقع آراك النووي، اذ تريد فرنسا إيقاف العمل كلياً في منشأة آراك للماء الثقيل، بينما تكتفي واشنطن بتجميد العمل في المشروع ذاته لمدة ستة أشهر، ومع أن الخلاف ربما يبدو تقنياً، إلا أن أبعاده تتجاوز ذلك بكثير، اذ تعكس اختلافاً في المفاهيم بين واشنطن وباريس، أظن أن تسوية وشيكة بين الجانبين قد تضع نهاية له.
الجولة الثانية من المحادثات التي بدأت قبل ساعات في جنيف، حول البرنامج النووي الإيراني، ربما تنتهي على الأرجح باتفاق حول التعليق المؤقت لبعض العقوبات الغربية مقابل التعليق المؤقت لـ «بعض» أنشطة التخصيب الإيرانية، والاكتفاء بدرجة تخصيب بنسبة 5% فقط، وكذلك الاكتفاء بتشغيل عشرة آلاف جهاز طرد مركزي، بغض النظر عن كفاءة ومدى تطور تلك الأجهزة، حيث بدأت طهران بالفعل بتركيب أجهزة طرد مركزي من الجيل الثاني المتطور تصل كفاءتها عشرة أضعاف الأجهزة الحالية.
اذا انتهت محادثات جنيف باتفاق كهذا ، فإن ايران تكون قد خرجت رابحة من المفاوضات، اذ ينال اقتصادها دفعة مؤثرة دون ان يتأثر برنامجها النووي في المقابل بنفس الدرجة، وهنا تبدو المخاوف الإقليمية من هذه التسوية المؤقتة، طبيعية ومشروعة و»صحية» أيضاً.
أي اتفاق لا ينال من قدرة ايران على تطوير برنامجها النووي لاحقاً، ولجم قدرتها على امتلاك رادع نووي، سوف يفتح الباب في الحقيقة لسباق تسلح نووي في الإقليم، بما يمكن أن يقود لاحقاً الى «إنفلات نووي» لا يمكن لأحد لجمه أو السيطرة على تداعياته، وفيما يبدو فإن إدارة اوباما لا تبدي انزعاجاً حقيقياً من إمكانية وقوع هذا الانفلات، أو بالأحرى يسيطر عليها اعتقاد غير دقيق بقدرتها على لجمه في أي وقت.
في مقالي الأسبوع الماضي تحت عنوان «الشرق عربي»، تحدثت عن شرق أوسط جديد، تراه واشنطن يقوم على ثلاث قوى غير عربية ( إسرائيل- تركيا - إيران)، وأشرت إلى أن ثمة تصوراً أمريكياً للإقليم لا يرى أي دور حقيقي للعرب في قيادة منطقة الشرق الأوسط أو حتى مجرد التأثير في مستقبلها في المدى المنظور، وفيما يبدو فإن ما يجري البحث عنه في محادثات جنيف بشأن برنامج طهران النووي، لا يخرج عن هذا السياق، بل ربما كان جزءاً منه، ولهذا السبب فإنني لا أرى أن جنيف هو مؤتمر لجم طهران، وانما «تمكينها» بوسائل أخرى.
أسلوب التعاطي العربي مع المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد الذي يجري تغييب العرب عن مواقع التأثير في مستقبله، ينبغي أن يعتمد رؤية تستوعب طبيعة الأخطار وتمتلك تصوراً دقيقاً للتصدي لها، ابسط مقومات تلك الرؤية يجب أن تستوعب حقيقة أن السلاح النووي هو سلاح غير قابل للاستخدام الفعلي، وأن هدفه الحقيقي هو تمكين من يمتلكه من ممارسة الابتزاز السياسي لخصومه في سياق رؤية إستراتيجية، كذلك ينبغي لتلك الرؤية العربية إدراك أن بناء قوة ذاتية عربية هو الرد العملي والحقيقي والفعال على أية تهديدات من قبل قوى نووية أو غير نووية، والسعي في هذا السياق إلى بناء تحالف عربي، في إطار ما أسميته في مقال سابق صيغة( 6+1 ) التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر، مع تمكين هذا التحالف من امتلاك ترسانة فائقة التطور من الأسلحة التقليدية، برهنت الحروب الحديثة على قدرتها في أحلك الظروف على كسب الصراع، وردع الخصوم.
باتفاق نووي مع طهران ، يمنحها «الوقت والمال» تكون التهديدات الاستراتيجية للمنطقة، قد غادرت الأوراق والمذكرات السرية، وخرجت الى حيز الواقع، ولن يكون الرد عليها ممكناً، مالم تخرج رؤى بناء القوة الذاتية العربية من حيز الأماني إلى حيز الممارسة .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store